Skip to main content

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على "المحكمة الجنائية الدولية"

أمر تنفيذي صادر عن ترامب يعرقل إنصاف الضحايا

رسم لميزان العدالة استُبدِلت فيه كفتا العدالة بشخصَيْن مقيّدَيْن من معصميهما يتأرجحان في الهواء.  ©2015 براين ستوفر لـ"هيومن رايتس ووتش"

(واشنطن) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الإجراء الذي أعلنت عنه إدارة ترامب ضد "المحكمة الجنائية الدولية" يُصعّد من جهود الإدارة لعرقلة العدالة لضحايا الجرائم الجسيمة. في 11 يونيو/حزيران 2020، أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يُجيز تجميد الأصول وحظر السفر العائلي ضد موظفي المحكمة الجنائية الدولية، وربما يستهدف الذين يُساعدون المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها.

هددت إدارة ترامب مرارا وتكرارا بعرقلة تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في أفغانستان وفلسطين والتي يمكن أن تحقق في سلوك المواطنين الأمريكيين والإسرائيليين. ألغت الولايات المتحدة تأشيرة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في 2019 انتقاما مما اعتُبر آنذاك تحقيقا محتملا في أفغانستان. في 15 مايو/أيار، توعّد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بـ "عواقب دقيقة" إذا استمرت المحكمة الجنائية الدولية "في مسارها الحالي"- أي إذا استمرت المحكمة في التحقيق في فلسطين. يمكن تطبيق العقوبات "على أساس كل حالة على حدة" فيما يتعلق بالتحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية بشأن الموظفين الأمريكيين أو موظفي حلفاء الولايات المتحدة.

قال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: "تجميد الأصول وحظر السفر هي لمنتهكي حقوق الإنسان، وليس للذين يسعون إلى تقديم منتهكي الحقوق إلى العدالة. باستهدافها للمحكمة الجنائية الدولية، تُواصل إدارة ترامب هجومها على سيادة القانون العالمية، ما يضع الولايات المتحدة في صف الذين يرتكبون ويتسترون على الانتهاكات الجسيمة، وليس إلى جانب الذين يحاكمونها".

المحكمة الجنائية الدولية هي المحكمة الدولية الدائمة التي أنشِئت لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم العدوان. بعد فظائع الإبادة الجماعية التي وقعت في منتصف التسعينات في رواندا ويوغوسلافيا السابقة، أنشأ المجتمع الدولي المحكمة الجنائية الدولية لمنع المسؤولين عن الجرائم الخطيرة، بما في ذلك كبار المسؤولين، من التهرب من العدالة. فتحت المحكمة تحقيقات في 12 دولة. قالت هيومن رايتس ووتش إن تسليم علي كوشيب نفسه للمحكمة الجنائية الدولية في 9 يونيو/حزيران، وهو زعيم ميليشيا "الجنجويد" سيئة السمعة، المتهم باغتصاب ومهاجمة وقتل المدنيين في دارفور، بعد 13 عاما من الفرار، هو تأكيد قوي على دور المحكمة.

تُجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا مفتوحا في الجرائم الجسيمة التي ارتُكبت خلال الصراع في أفغانستان. قد يشمل التحقيق انتهاكات خطيرة من قبل "طالبان" والقوات الوطنية الأفغانية. ارتكبت القوات الحكومية الأفغانية إعدامات غير قانونية، واختفاء قسري، وتعذيب منهجي. نفذت طالبان العديد من الهجمات الانتحارية وغيرها من الهجمات المتعمدة على المدنيين، بمن فيهم القضاة، والمشرعون، وشيوخ العشائر، والصحفيون. قد يشمل التحقيق أيضا انتهاكات خطيرة ارتكبها الجيش الأمريكي، وأفراد "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية.

المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة الملاذ الأخير، ولا تتدخل إلا إذا لم تقم السلطات الوطنية بإجراءات محلية حقيقية. أجرت الولايات المتحدة بعض التحقيقات المحدودة في الانتهاكات المزعومة من قبل موظفين أمريكيين في أفغانستان. لكن كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين يُمكن أن يتحملوا المسؤولية عن السماح بهذه الانتهاكات، أو عدم المعاقبة عليها، لم يحاسَبوا أمام محاكم أمريكية. الإفلات من العقاب على الانتهاكات من قبل القوات الأمريكية ترك إرثا مدمرا في أفغانستان. تواصل القوات الضاربة الأفغانية المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية ارتكاب انتهاكات خطيرة هناك، بعضها يرقى إلى جرائم الحرب. وجودهم، إلى جانب القوات الأفغانية المتهمة بقتل المدنيين خلال المداهمات الليلية وإخفاء المحتجزين قسرا ومهاجمة مرافق الرعاية الصحية، يُوضح العواقب طويلة الأمد للإفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة.

ينظر مسؤولو المحكمة الجنائية الدولية في عدد من القضايا الرئيسية. في ديسمبر/كانون الأول، اختتمت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية دراسة أولية للحالة في فلسطين، وقررت أنه تم استيفاء جميع المعايير اللازمة للتحقيق رسميا في الجرائم الخطيرة المزعومة من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين. قد تشمل الجرائم إنشاء مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية لأن القانون الإنساني الدولي يحظر نقل المدنيين إلى الأراضي المحتلة، وجرائم الحرب المزعومة من قبل الجيش الإسرائيلي والجماعات المسلحة الفلسطينية خلال الأعمال القتالية في غزة عام 2014. في الوقت نفسه، طلب مكتبها حكما من قضاة المحكمة لتأكيد نطاق تفويضها، ولا يزال القرار عالقا. دعت هيومن رايتس ووتش مرارا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق في الحالة في فلسطين.

طلبت السلطات في أفغانستان من المدعية العام للمحكمة الجنائية الدولية إرجاء تحقيقها، زاعمة أنها تستطيع القيام بإجراءات قضائية ذات مصداقية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه بالنظر إلى التقاعس المتكرر للسلطات الأفغانية في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، سيكون من الصعب للغاية على كابول إثبات أنها تجري تحقيقات ومحاكمات مُجدية.

قال ديكر: "إنها مفارقة مريرة أن الولايات المتحدة حتى عندما تسعى إلى اتفاق سلام في أفغانستان، تنتقم من الذين يسعون إلى تحقيق العدالة فيما يتعلق بالجرائم المروعة في ذلك الصراع. في أفغانستان وفلسطين، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تلعب دورا قيما للحد من الإفلات من العقاب الذي غذى الانتهاكات على مدى عقود".

الولايات المتحدة، التي ليست طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة، تعترض على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على مواطني الدول غير الأعضاء، في غياب إحالة على المحكمة من قبل "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". مع ذلك، أفغانستان هي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، مما يمنح للمحكمة سلطة التحقيق ومقاضاة الجرائم التي يرتكبها أي شخص - بغضّ النظر عن جنسيته - على الأراضي الأفغانية. سلطة المحكمة ليست غير عادية. يخضع المواطنون الأمريكيون وغيرهم من المواطنين الذين يرتكبون جرائم في الخارج بالفعل لسلطة المحاكم الأجنبية.

في 2 يناير/كانون الثاني 2015، أودعت السلطات الفلسطينية نسخة من وثيقة انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية لدى "الأمانة العامة للأمم المتحدة". دخلت معاهدة المحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ رسميا بالنسبة إلى فلسطين في 1 أبريل/نيسان 2015، مما منح المحكمة اختصاصا قضائيا على الجرائم الخطيرة التي تنتهك القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة على الأراضي الفلسطينية أو منها. إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية.

أكدت البلدان الـ 123 الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية مرارا وتكرارا أنها "لن يردعها أي تهديدات ضد المحكمة، ومسؤوليها، والمتعاونين معها"، وأنها "ستقف متحدة ضد الإفلات من العقاب". قالت هيومن رايتس ووتش إنه من الضروري أن تتحدث الدول الأعضاء بصراحة لتوضيح أنها لا تزال قوية في دعمها وستعمل معا لمقاومة محاولات الولايات المتحدة عرقلة العدالة.

قال ديكر: "بالتأكيد للمحكمة الجنائية الدولية محدودياتها، لكنها تجسد التوقعات بأن الذين يرتكبون جرائم خطيرة سيُحاسَبون في محاكمات عادلة. في مواجهة الجهود الأمريكية المخزية لعرقلة العدالة، على الدول الأعضاء في المحكمة أن تنهض وتدافع عنها".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.