Skip to main content

قبرص: إعادة خارج القانون لطالبي اللجوء

طرد مجموعة كبيرة من الواصلين بالقوارب من لبنان

قارب لخفر السواحل القبرصي يحمل مهاجرين من مركب آتٍ من لبنان تم اعتراضه، 14 يناير/كانون الثاني 2020.  © 2020 رويترز/يانيس كورت اوغلو

(أثينا) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ قوات خفر السواحل القبرصية صدّت بإجراءات موجزة أكثر من 200 مهاجرا، ولاجئا، وطالب لجوء قادمين من لبنان، أو تخلّت عنهم، أو طردتهم، أو أعادتهم خلال الأسبوع الأّول من سبتمبر/أيلول 2020، دون منحهم فرصة التقدّم بطلبات اللجوء.

أفاد أشخاص أنّهم تعرّضوا للتهديد من عناصر خفر السواحل القبرصية اليونانية والتركية، وقالوا إنّ سفن خفر السواحل القبرصية اليونانية حوّطتهم بسرعات عالية، وأغرقت قواربهم، وفي حالة واحدة على الأقلّ، تركتهم في البحر دون وقود أو طعام. قالوا إنّه تمّ تجاهل طلبات اللجوء التي تقّدموا بها، وفي بعض الحالات، تعرّضوا للضرب على يَد عناصر الشرطة البحرية القبرصية اليونانية.

قال بيل فريليك، مدير قسم حقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش: "انضمام اللبنانيين حاليا إلى اللاجئين السوريين في الفرار من لبنان على متن قوارب والتماس اللجوء في "الاتحاد الأوروبي" هو مؤشر على خطورة الأزمة في البلاد. ينبغي أن تنظر قبرص في طلباتهم للحماية بالكامل وبإنصاف، وأن تتعاطى معهم بما يضمن سلامتهم وكرامتهم بدلا من التغاضي عن التزاماتها في إنقاذ القوارب التي تواجه محنة، كما عليها أن تمتنع عن تنفيذ الطرد الجماعي".

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 15 مواطنا لبنانيا وسوريا أبحروا من طرابلس في لبنان، ودخلوا أو حاولوا الدخول إلى قبرص أو مياهها الإقليمية على متن واحد من سبعة قوارب بين 29 أغسطس/آب و7 سبتمبر/أيلول، إلى جانب ناجٍ من قارب آخر انطلق من لبنان في 7 سبتمبر/أيلول ولم يصطدم بالسلطات القبرصية. أنقذتهم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان في 14 سبتمبر/أيلول، بعد أن توفّي 13 شخصا على الأقلّ على متن ذلك القارب أو تاهوا في البحر.

نقلت "رويترز" عن السلطات القبرصية قولها إنّها أعادت 230 شخصا إلى لبنان بين 6 و8 سبتمبر/أيلول. بحسب "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، غادر الناس لبنان بشكل غير منتظم على متن 18 قاربا بين 29 أغسطس/آب و14 سبتمبر/أيلول، واعترضت "القوات البحرية" اللبنانية خمسة منها بينما كانت في المياه الإقليمية اللبنانية.

 تشير حصيلة القوارب التي تمّ صدّها وتلك الوافدة التي جمعتها منظمة "كيسا" القبرصية غير الحكومية، استنادا إلى إحصائيات الشرطة القبرصية، إلى أنّه خلال الأشهر الثمانية والنصف الأولى من العام 2020، اعترضت السلطات اليونانية 779 شخصا على قوارب تسعى إلى الدخول إلى قبرص بشكل غير قانوني، مع قدوم 431 شخصا على متن ستة قوارب خلال الأشهر الستّة الأولى، و348 شخصا على 11 قاربا بين أواخر أغسطس/آب وأوّل أسبوعين من سبتمبر/أيلول.

أفادت كيسا أنّ 375 شخصا نُقلوا مباشرة إلى مخيّم بعد أن رسا المركب أو بعد أن اعترضتهم السلطات القبرصية اليونانية، وأنّ 221 مركبا رسا في جمهورية شمال قبرص التركية المعلنة ذاتيا قبل العبور إلى قبرص اليونانية، وأنّ 185 قاربا طُردوا بإجراءات موجزة في عرض البحر.

قال كلّ من المهاجرين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش وتعاملوا مع السلطات القبرصية إنّهم طالبوها بعدم إعادتهم إلى لبنان، حتى أنّ بعضهم طلب اللجوء بوضوح، لكن لم يُسمح لأيّ منهم بالتقدّم بطلبات لجوء على الإطلاق.

لم تتلقَّ هيومن رايتس ووتش ردّا على استفساراتها الموجّهة إلى حكومتَيْ قبرص ولبنان حول النتائج التي توصّلت إليها. اقتبست صحيفة "سايبرس ميل" قول وزير الداخلية القبرصي نيكوس نوريس: "إنّنا نعلن قطعا عدم قدرتنا على تحمّل استقبال أعداد إضافية من المهاجرين لدواعٍ اقتصادية، ببساطة لأنّ منشآت الاستقبال لم تعُد كافية، كما أنّ قدرات البلاد استُنفدت".

قال مهاجرون لـ هيومن رايتس ووتش إنّ سفن خفر السواحل القبرصية اليونانية حاولت منعهم من الرسو من خلال الصراخ، والتلويح بالأسلحة، والتحويم حولهم بسرعات عالية لإحداث أمواج لغمر القوارب أو قلبها. في إحدى الحالات، في 3 سبتمبر/أيلول، اصطدمت سفينة معدنية لخفر السواحل بقارب خشبي مليء بالناس، فجرحت أطفالا وامرأة. في بعض الحالات، نقل عناصر خفر السواحل القبرصية الأشخاص الذين كانوا لا يزالون في البحر إلى قوارب ركاب مدنية تحت حراسة الشرطة البحرية وأعادوهم مباشرة إلى لبنان.

نُقل أشخاص آخرون تمكّنوا من الوصول أو اعترضتهم السلطات القبرصية وأحضرتهم إلى البرّ إلى مخيّم بورنارا في قرية كوكينوتريميثيا في قبرص، وهو مخيّم في الهواء الطلق، قذر، ومليء بالحشرات كان يضمّ حوالي 600 شخصا في منتصف سبتمبر/أيلول. قال بعض الأشخاص الذين أُعيدوا إلى لبنان إنّ سلطات المخيّم نادت العائلات والأفراد بالأسماء وأخبرتهم أنّهم سيخضعون لفحص ثانٍ لفيروس "كورونا"، لكن وضعوهم بدل ذلك على باصات ونقلوهم إلى مرفأ، حيث أرغمتهم الشرطة على الصعود إلى سفن للركاب. استقلّت السفن المزيد من الناس من مرافئ أو قوارب أخرى في البحر، ناقلةً حوالي 80 شخصا في كل مرة إلى لبنان.

في إحدى الحالات، اعترضت قوات خفر السواحل القبرصية قاربا مطاطيا يواجه محنة، ثمّ تركته ينجرف من دون وقود. وجده قارب صيد لبناني، وأنقذته القوات البحرية اللبنانية بعد ستة أيام في البحر.

قال شهود وضحايا كانوا على متن قاربَيْن تمّت إعادتهما إلى لبنان إنّ الشرطة البحرية القبرصية كبّلت وضربت الأفراد الذين قاوموا محاولات إرجاعهم. قال باسم (47 عاما)، وهو مواطن لبناني، مثل الباقين الذين اقتُبست شهاداتهم، لم تكشف هيومن رايتس ووتش اسمه الكامل لحمايته، إنّه بدأ يصرخ ليتوقّف القارب عندما رأى رجلا وزوجته يقفزان منه بعد أن أدركا أنّ القارب يعود أدراجه إلى لبنان في 6 سبتمبر/أيلول.

قال: "صرخت كي ينقذوا الرجل والمرأة اللذين قفزا في البحر، لكنّهم أخذوا يضربونني، وكبّلوني، وانهالوا عليّ بالعصي التي تُستخدم لإحداث صدمات. لا أزال أشعر بالألم وأواجه صعوبة في تحريك أصابعي. فقدت الوعي وأُصبت بنوبة، وكانت رغوة بيضاء تخرج من فمي. كانت معهم طبيبة صرخت على الشرطة كي ينزعوا الأصفاد لتتمكّن من معالجتي".

ينبغي أن تنقذ السلطات القبرصية القوارب التي تواجه محنة وأن تأمر قواتها الأمنية بالتوقّف عن تعريض الأرواح للخطر من خلال مناورات مثل التحويم بسرعات عالية حول القوارب، ووقف المعاملة الوحشية للأشخاص على القوارب.

ينبغي أن تجري السلطات القضائية القبرصية تحقيقا شفافا، ودقيقا، وحياديا في مزاعم تورّط عناصر خفر السواحل القبرصية في أعمال عرّضت حياة وسلامة المهاجرين وطالبي اللجوء للخطر. ينبغي أن يخضع أيّ عنصر متورّط في أفعال غير قانونية والضابط المسؤول عنه لعقوبات تأديبية، ولدى الاقتضاء، إلى مقاضاة جنائية. على "المفوضية الأوروبية" أن تضغط على الحكومة القبرصية لاحترام الحقّ في التماس اللجوء ومبدأ عدم الإعادة القسرية، أي أن تمتنع عن إعادة الناس إلى مكان قد تكون فيه حياتهم وحريتهم معرّضتين للخطر أو حيث قد يواجهون أذية خطيرة، بما يتماشى مع القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي.

قال فريليك: "الأشخاص الذين يعرّضون حياتهم وحياة أطفالهم للخطر هربا من لبنان على متن قارب هم فعلا يائسون. لديهم الحقّ في أن يتمّ النظر في طلباتهم للحماية الدولية. ينبغي ألّا يتم إسكات توسلاتهم أو تجاهل صرخاتهم طلبا للمساعدة".

لمَ يغادر الناس لبنان الآن

قال مواطنون لبنانيون لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الوضع الاقتصادي المتردّي في طرابلس وشمال لبنان دفعهم إلى مغادرة البلاد. أشار أغلبهم إلى أنّهم لا يملكون دخلا ولم يعُد أمامهم وسائل لإطعام أطفالهم وتأمين حاجاتهم الأساسية. تحدّث البعض عن تدهور عام للنظام وزيادة الفوضى. قالت امرأة عمرها 27 عاما من منطقة المينا في طرابلس، لديها ثلاثة أطفال، إنّها غادرت لأنّ "وجود الأطفال في الشوارع لم يعُد آمنا".

قال رجل لبناني عمره 34 عاما من طرابلس ومتزوّج من امرأة سورية: "تعبنا كثيرا ممّا يحصل، عاطفيا وجسديا"، مضيفا بالحديث عن الوضع الاقتصادي: "الدولة غير موجودة في طرابلس. لم نعد نحتمل".

عبّر اللاجئون السوريون الذين حاولوا مغادرة لبنان أخيرا عن يأس مشابه من مشاكلهم الاقتصادية، لكنّهم غالبا ما تحدّثوا أيضا عن مشاكل متجذّرة في التمييز الاجتماعي والانقسامات السياسية. قال مصطفى، وهو لاجئ سوري لديه إعاقة جسدية تعرّض للضرب خلال رحلة العودة إلى لبنان:

في البداية، كانت [مفوضية الأمم المتحدة للاجئين] تعطينا مساعدات غذائية، لكن في العامين الماضيين، لم نحصل على أيّ شيء منها. ليس لدي عمل، ولا يمكنني إطعام أطفالي الذين يبيعون الزهور في الشوارع. أُتلفت أوراقي ولم تجدّدها الحكومة. لديّ مشاكل كثيرة مع السلطات هنا؛ فالأحزاب السياسية تعرّضني لمشاكل وتضربني حتى، لأنّني لا أؤيّدها. هربت من سوريا بسبب الأحزاب السياسية، ولم أكُن أريد أن أتعامل معها هنا.

قال لاجئ سوري آخر غادر لبنان مؤخرا على متن قارب إنّه كان ضابطا رفيعا في الجيش السوري وأمضى ثلاثة أعوام في السجن هناك لرفضه إطلاق النار على السوريين المعارضين للحكومة. قال إنّ الحكومة السورية وعدت بمكافأة لمَن يجده وإنّ رجالا مجهولين يعتقد أنّهم يتصرّفون بأمر من الحكومة السورية حاولوا خطفه في لبنان. أضاف أنّه اضطُرّ إلى تغيير مكان سكنه أربع مرّات وأنّه حاول الحصول على إعادة التوطين من خلال قنوات قانونية، لكن دون جدوى. قال إنّ صديقا له لديه روابط بجهاز مخابرات "أخبرني بأنّ عليّ المغادرة فورا".

جهود قبرصية لإبعاد القوارب

تطابقت أقوال الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم حول كون القوارب القبرصية اليونانية حذّرتهم من الدخول، متذرّعة أحيانا بفيروس كورونا، ثمّ حوّمت حول قواربهم لإحداث أمواج لغمر القوارب أو قلبها. في بعض الحالات، وجّهت تلك القوارب المهاجرين نحو قبرص الشمالية الخاضعة للسيطرة التركية، ووصف المهاجرون أن قوات خفر السواحل عند الجانبين تقاذفتهم. أضاف الشهود أنّ عناصر خفر السواحل القبرصية التركية واليونانية لوّحوا بالأسلحة وهدّدوهم، لكن فقط خفر السواحل القبرصية اليونانية حاولوا غمر أو قلب قواربهم.

قال مهاجرون على متن قارب خشبي يقلّ 52 شخصا إنّ قاربا لخفر السواحل القبرصية اليونانية يحمل الرقم 21 على جانبه اقترب منهم قرابة ثلاثة أميال قبالة ساحل لارنكا الساعة 6 صباحا في 3 سبتمبر/أيلول. وجّه ثلاثة جنود مسلّحين على متنه أسلحتهم نحو المهاجرين وصرخوا بهم ليعودوا أدراجهم. في الساعة 7:15 صباحا، صدم قارب خفر السواحل المعدني القارب الخشبي، ما أدّى إلى إصابة عدد من الأشخاص وإحداث ثقب في الجانب الأيمن من القارب ليصبح غير صالح للإبحار. قال شخصان كانا على متن القارب إنّهما اعتقدا أنّ الاصطدام حصل عمدا. قال رجل لبناني عمره 34 عاما: "بالنظر إلى كيف أدار القبطان وجهه وسماعنا صراخه، أظنّ أنّه اصطدم بنا عمدا".

أمضى الأشخاص على متن القارب الساعات الأربع التالية في تفريغ القارب من مياه البحر والمناداة للمساعدة قبل جرّهم إلى البرّ. أخبر الشهود أنّ امرأة مصابة وأخرى حامل نُقلتا إلى المستشفى، إلى جانب عدد من الأطفال، منهم طفل ارتطم رأسه عندما اصطدم القاربان. قال الشهود إنّهم لم يروا المرأة الحامل بعد ذلك.

دفع خفر السواحل القبرصية اليونانية والتركية قاربا آخر يحمل 52 شخصا ذهابا وإيابا لأربعة أيام قبل أن يتمكّن من أن يرسو أخيرا في المنطقة العازلة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في منطقة كباريس التي تفصل بين الحدود القبرصية الخاضعة للسيطرة التركية والأخرى اليونانية. في لحظة معينة، رصدت السلطات اليونانية امرأة وأطفالا بحاجة إلى رعاية طبية طارئة. أخذت السلطات المرأة وأطفالها الثلاثة، أحدهم بعمر عام والآخران دون العامين، إلى البرّ. فرّقت السلطات الطفلين عن والديهما على القارب، وفرّقت المرأة عن زوجها وطفليها الآخرين. قالت المرأة:

كان الأطفال يتقيّأون ويُغمى عليهم. أُصبتُ بحروق من الشمس، وكان جسمي يرتجف لأنّني كنت في الدورة الشهرية، وكنت قد فقدت الكثير من الدم وكانت حالتي سيئة جدا. اصطحبوني مع طفلي وطفلين آخرين على قارب خفر السواحل حيث أعطونا الطعام، وجاء طبيب لمعالجتنا. أخذوا الطفلين الآخرين من أمَّيْهما اللتين كانتا على القارب الآخر، وجُنّ جنونهما عندما فُصلتا عن طفليهما. في اليومين التاليين في المستشفى، لم أتوقّف عن السؤال عن زوجي والأطفال، لكن لم يخبرني أحد أيّ شيء. لم أستطع فهم لغتهم طيلة الوقت في المستشفى، ولم يكُن هناك مترجم. أخيرا، اجتمعنا في مخيّم بورنارا.

ترك قارب مطاطي معطل في عرض البحر

يفرض القانون البحري الدولي واجبا واضحا على جميع السفن في البحر بإنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر، سواء في المياه الإقليمية أو الدولية. قال أحد الناجين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن زورقا لحرس السواحل أو البحرية القبرصيان واجه زورقا مطاطيا من نوع زودياك كان على متنه خمسة رجال في خطر في 4 سبتمبر/أيلول ثم تركوه لينجرف بلا وقود. غادر قاربهم لبنان ليلة 3 سبتمبر/أيلول ونفد الوقود بعد حوالي 12 أو 13 ساعة. عندها ربط الرجال قاربهم بعوامة صيد وانتظروا المساعدة.

قال الناجي، وهو لاجئ سوري عمره 33 عاما من إدلب، إن زورقا عسكريا رمادي اللون عثر عليهم، مكتوب على جانبه "ليماسول" ويرفع العلم القبرصي وعليه رشاش. أحضره البحارة على متن سفينتهم بسبب حالته البدنية السيئة، حيث كان مصابا بما وصفه بأنه إعياء شديد. كان لديه حمى شديدة وقال إن ممرضا على متن السفينة العسكرية القبرصية فحصه، وسمح له بالاستراحة على أرضية قاربهم لمدة ساعة ونصف تقريبا وقدماه مرفوعتان للأعلى. ثم دون أي علاج أو مساعدة أخرى، أعادوه إلى القارب المطاطي مع الرجال الأربعة الآخرين:

أزالوا حبل القَطر، لكن لم يكن لدينا وقود. قلنا لهم ليس لدينا وقود ولا يمكننا العودة أو الذهاب إلى أي مكان بدون وقود. أظهرنا لهم عبوات الوقود الفارغة. أعطونا فقط زجاجتَيْ ماء، حوالي ثلاثة ليترات، وتركونا. بقوا على بعد حوالي كيلومتر يراقبوننا، ثم، عند الغروب، غادروا بعد حوالي 45 دقيقة.

تُرك قاربهم في عرض البحر بلا طعام وسرعان ما نفد الماء. أمضوا ما مجموعه ستة أيام في البحر:

كانت الأمواج فقط تدفعنا. كانت الشمس شديدة الحرارة. بعد يومين بدأنا نشرب ماء البحر. كنا نظن أننا سنموت. استسلمت. لم أفكر سوى بأطفالي في سوريا. ثم رآنا يوم الأربعاء [9 سبتمبر/أيلول] قارب صيد لبناني وأبلغ البحرية اللبنانية وأنقذونا أخيرا.

سوء معاملة وحشية في رحلة العودة إلى لبنان

قال شهود عديدون من قاربَي ركاب ينقلان الناس إلى لبنان إنهم رأوا الشرطة البحرية القبرصية تضع رجلا على كل قارب مكبل اليدين وتضربهما. قابلت هيومن رايتس ووتش الرجلين. مصطفى (32 عاما) هو لاجئ سوري مسجّل لدى مفوضية اللاجئين من الرقة، وهو لا يرى في إحدى عينيه ولديه شظايا في ساقيه من انفجار وقع عندما كان في سوريا، قال إن مجموعة من الشرطة البحرية القبرصية قيّدوا أيديهم وضربوهم وصعقوهم بالكهرباء أمام زوجته وأطفاله الأربعة - أعمارهم 1 و4 و6 و8 أعوام - على متن قارب يقل حوالي 80 شخصا إلى لبنان في 8 سبتمبر/أيلول:

عندما وضعونا في القارب المتجه إلى لبنان، قلت إنني أفضل الموت على العودة. صرخت عليهم لكن لم ألمس أيا منهم. قفز نحوي حوالي 15 شرطيا يرتدون قمصان سوداء وسراويل مموهة. وضعوا الأصفاد على يدي، ثم بدأ ثلاثة منهم بضربي بالعصي وصعقي بالكهرباء. ازرقّت شفتاي من الصعقات.

أكد شهود آخرون على القارب ما رواه، بمن فيهم رجل لبناني عمره 36 عاما كان على القارب مع زوجته وأطفاله الثلاثة:

كان هناك سوري لا يريد العودة. ضربوه أمام أطفاله وأطفالي أيضا. قيّدوه بالأصفاد، ورأيتهم يصعقونه بالكهرباء ويضربونه بالعصي. قيدوا يديه بعارضة وأبقوه مقيّد اليدين طوال طريق العودة.

كما أكد عديد من الشهود رواية باسم عن ضربه. قال أحد الشهود، وهو رجل سوري عمره 46 عاما:

بعد أن قفزت امرأة وزوجها من القارب، بدأ باسم بالصراخ عليهم لإيقاف القارب، لكن العناصر واصلوا [الإبحار] وانقضوا عليه. أمام الأطفال، قيدوا يديه واستمر شرطيان بضربه. ضربوه بالعصي على معصميه وظهره وساقيه لمدة 15 دقيقة. صرخنا عليهم ليتوقفوا. ثم أصيب بنوبة. كانت هناك طبيبة من الصليب الأحمر، ونزعوا الأصفاد ليعالجوه. شاهد الجميع حدوث ذلك، بمن فيهم طبيبة الصليب الأحمر. كان قائد القارب يعطي التعليمات. لا أعرف ما يقولونه ولا يمكنني تحديد أسمائهم لأنني لا أتحدث لغتهم، لكن كانت كلمة POLICE )شرطة( مكتوبة على قمصانهم. أعتقد أنهم كانوا يفعلون ذلك لإخافة بقيتنا حتى لا نقاومهم. كان القارب الذي خلفنا، والذي أخذ الزوج والزوجة اللذين قفزا من البحر، تابعا للشرطة البحرية القبرصية، وعليه علم قبرص والرقم 21 مكتوبا على جانبه.

الأوضاع في معسكر بورنارا

أخذت السلطات القبرصية الأشخاص الذين تمكنوا من الوصول إلى البر، وكذلك بعض الأشخاص الذين اعترضتهم في البحر إلى معسكر بورنارا، وهو معسكر كبير في الهواء الطلق مقسم إلى أربعة أقسام. قال شهود عدة إن عائلات لديها أطفال، بما فيها تلك التي تعيلها نساء، ونساء يسافرن بمفردهن، وأطفال غير مصحوبين بذويهم، وُضعوا مع رجال بالغين بمفردهم. قالوا إن المياه شحيحة، والغذاء غير كاف، وظروف الصرف الصحي سيئة، والحشرات والقمامة غير المجمعة موجودة في كل مكان. أقام جميع الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في خيام بلا أرضية ولا كهرباء، رغم أنهم قالوا إن هناك حاويات مصنّعة في أجزاء أخرى من المخيم.

أبلغت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين هيومن رايتس ووتش أن مركز استقبال بورنارا مزدحم، بوجود حوالي 600 شخص، 300 منهم في أربع مناطق حجر صحي و300 في المخيم المركزي. قال الناس إن قسمهم به مرحاضان متنقلان لحوالي 100 شخص. قالوا إن المراحيض قذرة وتفتقر إلى المياه، وعرضوا على هيومن رايتس ووتش صورا تؤكد أنها كانت قذرة للغاية. كان هناك أربعة حمامات لكل قسم يتسع لـ 100 شخص ولم تُفصل المراحيض أو الحمامات بحسب النوع الاجتماعي، ولا يمكن الوصول إليها للأشخاص ذوي الإعاقة، ولا توفر ما يكفي من الخصوصية أو الأمان.

قالت امرأة لبنانية عمرها 27 عاما معها ثلاثة أطفال إنه عندما يضطر أي فرد من عائلتها إلى استخدام المرحاض، يرافقه الآخرون ويقفون حراسة لخصوصيته. عزت، وهو لبناني عمره 34 عاما، أب لثلاثة أطفال أحدهم لديه إعاقة جسدية، أمضى خمسة أيام في مخيم بورنارا في أوائل سبتمبر/أيلول:

عندما وصلت إلى المخيم لأول مرة، أعطتنا امرأة حقيبة بها شامبو وصابون ومناديل. أخبرتها أن طفلي لديه إعاقة ويحتاج إلى المساعدة. غضبتْ وابتعدت. كنت أرغب في تخفيف آلام طفلي في ساقيه، لكن لم يجبني أحد. كان المعسكر فظيعا. كان هناك كثير من النفايات في كل مكان. كان هناك مرحاضان متسخان بدون ماء لدورة المياه ولا مياه كافية للشرب أو للنظافة. كانوا يلقون الطعام في الداخل ويتركونا نتحمل مسؤولية توزيعه. إذا أردنا أي شيء، كان علينا أن نصرخ.

قال شمس الدين، وهو رجل لبناني عمره 36 عاما من طرابلس سافر على متن قارب مع أطفاله الثلاثة، إن الوافدين الجدد خضعوا لاختبار فيروس كورونا وأخبِروا أنهم وُضعوا في الحجر الصحي، لكن لم يخبرهم أحد بنتيجة الاختبارات. قال إنه لم تُتخذ أي إجراءات وقائية في المخيم لتعزيز النظافة أو منع انتشار المرض. بدلا من ذلك، قال إن السلطات استخدمت فيروس كورونا للتلاعب بهم وخداعهم:

أخبرتنا السلطات أنها ستجري لنا اختبارا آخر لفيروس كورونا وتنقلنا إلى فندق أو مخيم بظروف أفضل. جاؤوا الساعة 7 صباح 7 سبتمبر/أيلول، ونادوا على أسمائنا وقالوا لنا أن نأتي للاختبار. قالوا لنا أن نترك ممتلكاتنا في الخيمة لأننا سنعود مباشرة لاصطحابها بعد الاختبار. وضعونا في حافلة غطيت نوافذها بستائر حتى لا نتمكن من رؤية ما في الخارج. عندما اكتشفنا أنهم أخذونا إلى الميناء وسوف يضعوننا على متن قارب، احتجينا، لكنهم حبسونا في الحافلة لمدة نصف ساعة بدون مكيفات، وبدأ الناس بالاضطراب والذعر. أولا، أخذوا الأطفال، ثم بقيتنا.

الحرمان من الحق في طلب اللجوء والإجراءات القانونية الواجبة

لم يُسمح لأي من الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش بتقديم طلب لجوء إلى السلطات القبرصية، رغم أن كثيرين أوضحوا أنهم يريدون ذلك، بما فيه عن طريق القفز من السفينة التي ستعيدهم إلى لبنان. قال الأشخاص الذين قوبلوا إنهم رأوا شخصا يعتقدون أنه مسؤول في الأمم المتحدة في مخيم بورنارا أجرى مقابلة مع طفلين غير مصحوبين وشخص عديم الجنسية، لكن لم يتمكن أي من الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش من مقابلة المفوضية أو محام. أكدت المفوضية أنه في 15 سبتمبر/أيلول، تحدث أحد مسؤوليها إلى تسعة أشخاص كانوا قد أدخلوا إلى معسكر بورنارا من قارب واحد؛ أكدت المفوضية أن يعض الذين تمت إعادتهم طلبوا اللجوء باستمرار.

قال رجل لبناني من طرابلس عمره 24 عاما إن مساعيه لتقديم طلب لجوء عند وصوله قوبلت بالرفض تماما وإنه أُعيد دون أن يُمنح أي فرصة للطعن في إبعاده:

ما إن دخلنا الحدود حتى أخذت السلطات هواتفنا واحتفظت بها ثلاثة أيام. طلبنا اللجوء وقلنا إننا لا نريد العودة إلى لبنان. لم يُسمح لنا بمقابلة محام أو أي شخص من المفوضية. أمرتنا السلطات بتوقيع ورقة بلغة لم نفهمها وقالت إنها من أجل اللجوء، لكنهم خدعونا. وضعونا في حافلة قائلين إننا ذاهبون لإجراء اختبار ثان لفيروس كورونا، لكن بدلا من ذلك وضعونا في قارب وأعادونا إلى لبنان.

تحدثت امرأة سورية عمرها 24 عاما لديها طفلان إلى هيومن رايتس ووتش من مخيم بورنارا حيث كانت متواجدة منذ تسعة أيام:

بعد أن وصلنا البر، أخذوا زوجي، أحمد فحل، وثلاثة آخرين في سيارة لا تحمل أي علامات، ووضعونا في حافلة. لم أسمع أي أخبار عن زوجي منذ ذلك الحين ولم تصلني أي معلومات عنه. لا شيء. لم يكن قائد مجموعتنا، [و]لم يكن يقود القارب. أطفالي مرضى ويحتاجون إليه. أجروا لنا فحص كورونا لكنهم لم يعطونا أي نتائج. أخذوا جوازات سفرنا وبطاقات هوياتنا لكنهم لم يقابلونا. لم نر مفوضية اللاجئين، ولا الصليب الأحمر، ولا محامين، ولا موظفي إغاثة. لم يشرح أحد أي شيء. لم يقل أحد أي شيء عما سيحدث لنا.

المعايير الدولية والأوروبية

تنص المادة 4 من "البروتوكول 4 للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" على أنه "يُحظر الطرد الجماعي للأجانب". قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية "هيرسي ضد إيطاليا" بأن طرد عديد من المهاجرين المسافرين بشكل غير نظامي بالقوارب والذين يوقَفون في البحر هو انتهاك للاتفاقية، وحكمت أيضا في قضية "شريفي وآخرون ضد إيطاليا واليونان" بأن طرد من يصلون البر هو انتهاك للاتفاقية.

رفع عديد من المعادين قضية أمام "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، وأثاروا من بين أمور أخرى عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة قبل إعادتهم. أفادت صحيفة "سايبرس ميل" أن مجموعة كيسا غير الحكومية المحلية، التي تدعم طالبي اللجوء، قالت: "لم تجرِ السلطات القبرصية أي تقييم فردي للطالبين... فيما يتعلق باحتياجاتهم وأسباب وجودهم على شواطئ الجمهورية. كما أنها لم توفر أدنى وصول إلى إجراءات الحماية الدولية، ولم تأخذ في الاعتبار أي من المتطلبات القانونية لقانون اللاجئين، والتي لا تتأثر بحقيقة "الدخول غير القانوني"".

في قضية شريفي وآخرون، رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الطرد الجماعي للمهاجرين الذين مُنعوا من طلب اللجوء هو انتهاك لحقهم في الانتصاف، وكذلك الحق في الحماية من المعاملة اللاإنسانية والمهينة.

يُحظر الطرد الجماعي الذي يرقى إلى الإعادة القسرية بموجب المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمادة 3 من "الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

يحظر مبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في المادة 33 من "اتفاقية اللاجئين لعام 1951"، وقبرص دولة طرف فيها، إعادة اللاجئين "بأي شكل من الأشكال". أوضحت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، إلى جانب مجموعة كبيرة من المصادر القانونية الأخرى، أن مبدأ عدم الإعادة القسرية ينطبق في أي مكان تمارس فيه الدولة السيطرة أو الولاية القضائية، دون قيود جغرافية.

ينطبق حظر الإعادة القسرية أيضا على طالبي اللجوء الذين لم يُعترف بهم رسميا كلاجئين. أكدت اللجنة التنفيذية للمفوضية في الخلاصة رقم 79 لعام 1996 أن مبدأ عدم الإعادة القسرية يحظر طرد اللاجئين وإعادتهم "سواء تم منحهم رسميا وضع اللاجئ أم لا". يقول رأي استشاري للمفوضية: "مبدأ عدم الإعادة القسرية ذو أهمية خاصة لطالبي اللجوء. وبما أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون لاجئين، فمن المبادئ الراسخة في القانون الدولي للاجئين أنه ينبغي عدم إعادتهم أو طردهم إلى حين اتخاذ قرار نهائي بشأن وضعهم".

في مقابلة نشرتها "كاثيرميني قبرص"، قالت المفوضية:

تدعم المفوضية جهود السلطات القبرصية لإعادة أولئك الذين لا يتبين أنهم بحاجة إلى الحماية الدولية، ولكن فقط بعد تقييم رسمي وفردي لطلب اللجوء الخاص بهم إذا طلبوا اللجوء... الممارسة المتمثلة في صد القوارب تتعارض مع القانون الدولي، ويجب أن يُقبل أولئك الذين يرغبون في طلب اللجوء في الإقليم على الأقل على أساس مؤقت لفحص طلبات اللجوء الخاصة بهم. وهذا منصوص عليه في القانون الدولي، وإلا يصبح الحق في اللجوء ومبدأ عدم الإعادة القسرية لا معنى لهما. ليس لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين معلومات عن الأسباب التي دفعت من كانوا على متن القوارب التي وصلت مؤخرا إلى السفر إلى قبرص ولا تعرف ما إذا كانوا مهاجرين أم طالبي لجوء. التقييم الفردي ضروري دائما، ولا يمكن إجراؤه في عرض البحار.

Correction

30 سبتمبر/أيلول 2020: 

تم تصحيح النسخة العربية من التقرير لإيضاح أن هيومن رايتس ووتش لم تنشر الأسماء الكاملة للشهود لحمايتهم. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة