Skip to main content

هل تُضعِف محاكمة قتلة ريجيني المزعومين الدعم الأوروبي للقمع المصري؟

نُشر في: العربي الجديد
ناشطة مصرية ترفع ملصقا يطالب بالعدالة لجوليو ريجيني في القاهرة، مصر، 15 أبريل/نيسان 2016.  © 2016 رويترز/عبد الغني محمد

في 10 ديسمبر/كانون الأول، "يوم حقوق الإنسان"، دعت وزارة الخارجية المصرية إلى تعاون دولي وتبادل الخبرات "دون إملاء او ادعاء كمال لم ولن يدركه أي طرف".

في اليوم نفسه، أعلنت كبيرة المدعين العامين في روما أنها وجّهت إلى أربعة ضباط رفيعي المستوى في "جهاز الأمن الوطني" المصري تهم اختطاف طالب الدراسات العليا الإيطالي جوليو ريجيني وتعذيبه وقتله في القاهرة في أوائل 2016.

اتضح ما تقصده مصر بـ"التعاون" وضوحا تاما منذ اكتشاف جثة ريجيني مشوهة بشدة قبل خمس سنوات تقريبا، بعد تسعة أيام من "اختفائه" في وسط القاهرة. في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، عُقب اجتماع أخير مع المدعين الإيطاليين الزائرين، أعلنت مصر أنها ستغلق تحقيقها رسميا في وفاة ريجيني. جاء في بيان النيابة العامة المصرية أن "مرتكب واقعة جريمة قتل الطالب لا يزال مجهولا".

في 10 ديسمبر/كانون الأول، وجّهت ميشيل بريستيبينو جياريتا، كبيرة المدعين العامين في روما، إلى اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبد الشريف تهمة قتل ريجيني. أمهلتهم 20 يوما للرد، وسيقرر القضاء الإيطالي بعدها ما إذا كان سيبدأ المحاكمة.

الأرجح أن المشتبه بهم لن يستجيبوا أو يتقدموا للمحاكمة، لكن القرار الإيطالي بتوجيه الاتهام للضباط الأربعة رغم رفض مصر التعاون، سمح بالفعل بنشر مزيد من المعلومات حول مقتل ريجيني.

قالت المدعية العامة إن شهودا لا يمكنهم الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية أفادوا بأن ريجيني نُقل إلى مركز شرطة الدقي ثم إلى مقر الأمن الوطني في لاظوغلي، حيث شوهد فيما بعد مقيدا بالسلاسل وشبه عارٍ، يهذي وتظهر عليه آثار تعذيب.

أظهرت عمليات تشريح منفصلة في مصر وإيطاليا علامات سوء معاملة شديد على جثة ريجيني.

قال محمد لطفي، محام متخصص في حقوق الإنسان عمل في قضية ريجيني، ومدير "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، إن رفض مصر التحقيق "حتى في قضية رفيعة المستوى مثل هذه، تحظى باهتمام كبير وتقف وراءها حكومة [أجنبية]، يتماشى تماما مع الإفلات من العقاب السائد عن الجرائم الحقوقية الجسيمة في مصر. قال أيضا: "لذلك أتخيل كيف هو الحال بالنسبة إلى المصريين".

ذكرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات في سبتمبر/أيلول أن قوات الأمن المصرية "أخفت" 2,723 شخصا منذ 2015.

تكشف التطورات المتعلقة بمقتل ريجيني أيضا استعداد حلفاء إيطاليا الأوروبيين، لا سيما فرنسا وألمانيا، لإعطاء الأولوية لصفقات السلاح المربحة على حساب العدالة. أبدت إيطاليا نفسها اهتماما بدعم قدرات مصر الحربية أكبر من اهتمامها بمحاسبة قتلة ريجيني. في يونيو/حزيران، وافقت الحكومة على صفقة أسلحة بقيمة 1.2 مليار يورو، يُقال إنها مجرد صفقة أولى من سلسلة مبيعات أكبر تتراوح قيمتها بين 9 و10 مليارات يورو، وهي أكبر عملية نقل أسلحة على الإطلاق لكل من إيطاليا ومصر.

في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، منحت ألمانيا السفير المصري، دون سبب واضح، أعلى تكريم، وهو "وسام الاستحقاق الفيدرالي". في 7 ديسمبر/كانون الأول، رفض الرئيس إيمانويل ماكرون تقييد مبيعات الأسلحة الفرنسية بسجل حقوق الإنسان في مصر، وبعد يومين، منح الرئيس الفرنسي "وسام جوقة الشرف" المرموق إلى السيسي لدى زيارته باريس. احتجاجا على ذلك، أعاد المفكر الإيطالي كورادو أوجياس، الحائز على وسام جوقة الشرف من قبلُ وسامَه، وحذا حذوه كثيرون آخرون ممن حصلوا عليه.

قارِنوا بين حميمية القادة الفرنسيين والإيطاليين مع إدارة السيسي بالرد الأوروبي عندما أعدمت إيران في 12 ديسمبر/كانون الأول الصحفي روح الله زم بتهم غامضة تتعلق بالأمن القومي. وصفت فرنسا الإعدام بأنه "همجي وغير مقبول" وسحبت سفيرها من طهران. وألغت مشاركتها في منتدى أعمال عبر الإنترنت في 14 ديسمبر/كانون الأول، كما فعلت إيطاليا والنمسا وألمانيا. غردت وزارة الخارجية الفرنسية بعدها على تويتر معلنة إلغاء مشاركتها في المنتدى مستخدمة هاشتاغ #NoBusinessAsUsual، أي لن نواصل العمل كما هو معتاد.

ما أسهل انتقاد السجل الحقوقي الرهيب لدولة منبوذة مثل إيران. يا له من نفاق أن نؤيد "العمل كما هو معتاد" مع حكومة مصر البلطجية.

أصدر "البرلمان الأوروبي" في 18 ديسمبر/كانون الأول قرارا قويا غير مسبوق يحث الاتحاد الأوروبي والبلدان الأعضاء فيه على "أخذ زمام المبادرة في الدورة المقبلة لـ’مجلس حقوق الإنسان‘ التابع للأمم المتحدة وإنشاء آلية للمراقبة والإبلاغ طال انتظارها بشأن ’انتهاكات مصر الخطيرة لحقوق الإنسان‘".

دعا القرار الذي يردد دعوات المنظمات الحقوقية إلى "مراجعة جادة للدعم الذي تقدمه ’المفوضية [الأوروبية]‘ لميزانية مصر ومراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر".

حث الاتحاد الدول الأعضاء أيضا على تعليق صادرات "السلاح وتكنولوجيا المراقبة وغيرها من المعدات الأمنية" التي يمكن استخدامها ضد نشطاء المجتمع المدني، ومعاقبة المسؤولين المصريين المسؤولين عن القمع.

تكمن المشكلة في أن دول الاتحاد الأوروبي تجاهلت قرارا برلمانيا قويا مماثلا اعتُمد العام الماضي، كما تجاهلت إعلان "مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي" في أغسطس/آب 2013 تعليق المبيعات التي قد تسهّل القمع الداخلي في مصر.

مع دعم الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد الأوروبي للحكومة المصرية واستعدادها لتغذية أجهزة القمع فيها، قد يكون قرار كبيرة المدعين العامين في روما بمحاكمة قتلة جوليو ريجيني المزعومين فرصة لتوثيق ما إذا كانت قوات الأمن المصرية مسؤولة عن قتله وتعذيبه، وإحراج إيطاليا وفرنسا وألمانيا، ومعها الولايات المتحدة، لاستمرارها في التساهل مع الحكم الاستبدادي في مصر.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة