Skip to main content

تونس: تكتيكات عنيفة من الشرطة لسحق التظاهرات

سقوط قتيل؛ اعتقالات بسبب منشورات "فيسبوك" ومزاعم إهانة الشرطة

متظاهر يرفع لافتة كتب عليها "شرطة في كل مكان، لا عدالة في أي مكان" على إثر احتجاجات في مختلف أنحاء البلاد مطالبة بالعدالة الاجتماعية وإصلاحات حكومية في 23 جانفي/يناير 2021، شارع الحبيب بورقيبة، العاصمة تونس. © 2021  أحمد زروقي

(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّه يبدو أنّ أعوان الشرطة في عدد من الولايات التونسية تصدّوا للتظاهرات من أجل العدالة الاجتماعية في الأسابيع الماضية باستعمال القوّة المفرطة أحيانا، فأوقعوا قتيلا واعتقلوا المئات، بينهم قاصرون عدة.

ينبغي أن تجري السلطات تحقيقا عاجلا وشفافا في مقتل هيكل الراشدي الذي توفي جرّاء إصابة في الرأس، بعد تدخل الشرطة خلال تظاهرة 18 جانفي/يناير 2021، وفي الضرب المزعوم للمتظاهرين. كما ينبغي لها أن تضمن استعمال الغاز المسيل للدموع فقط بشكل متناسب وبالقدر اللازم، وأن تفرج عن أولئك المحتجزين فقط بسبب التجمع أو التعبير السلمي. ينبغي للسلطات أيضا تأمين التواصل مع محامين وتوفير ظروف احتجاز إنسانية.

قال إريك غولدستين، المدير بالإنابة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "انطلقت التظاهرات في جميع أنحاء تونس بسبب الغضب والاستياء المشروعَيْن من الظروف الاقتصادية السيئة. على الحكومة أن تردع أعوان الشرطة الذين خرقوا القانون، وتحرص على الحق في التظاهر السلمي والتعبير الحرّ".

انطلقت التظاهرات في 15 جانفي/يناير بعد انتشار فيديو على فيسبوك يظهر فيه على ما يبدو شرطي يذلّ راعيا من دون أيّ مبرر في ولاية سليانة في شمال غرب البلاد. بدأت التظاهرات، التي كانت عنيفة أحيانا، في ولاية القصرين وسط البلاد، وبعدها في سيدي بوزيد، وفي غضون أيام امتدّت إلى بنزرت، وطبربة، وسوسة، ووصلت إلى الأحياء المهمشة في العاصمة تونس.

انطلقت التظاهرات، على الرغم من قرار حظر التجوّل في كامل البلاد من الساعة 8 مساء حتى 5 صباحا للحدّ من تفشي فيروس "كورونا"، وكانت قد توقفت بحلول 4 فيفري/فبراير. في حين أن ثمّة مصلحة مرتبطة بالصحة العامة في منع التظاهرات الحاشدة وتطبيق الحكومة لهذه التدابير، فإن القيود على حرية التعبير لدواعي الصحة العامة ينبغي ألا تهدد هذا الحقّ نفسه.

لم تعلّق وزارة الداخلية علنا بعد على المزاعم حول عنف الشرطة. في 19 جانفي/يناير، اعترف رئيس الحكومة هشام المشيشي بأنّ المصاعب الاقتصادية والاجتماعية تكمن وراء التظاهرات، لكنّه قال إنّ قوى الأمن تصرّفت بـ "مهنية".

تحدّثت هيومن رايتس ووتش مع سبعة ناشطين، وصحفي، وقريب الرجل الذي توفّي، وأحد أقرباء ناشط محتجز. كما راجع الباحثون فيديوهات وصورا نُشرت على فيسبوك وأظهرت استعمالا مفرطا للغاز المسيل للدموع وضرب الشرطة للمتظاهرين السلميين على ما يبدو.

تشير المقابلات مع الشهود، وتقارير الأخبار، واللقطات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أنّ التظاهرات في النهار كانت سلمية إلى حدّ كبير، لكن حصلت تصادمات عنيفة ليلا في مدن عديدة عندما قطع المتظاهرون الطرقات، وأحرقوا الدواليب، ورموا الحجارة وكوكتيل المولوتوف لمنع الشرطة من دخول الأحياء. أُفيد بأنّ بعض المتظاهرين نهبوا المحلات. أطلق أعوان الشرطة الغاز المسيل للدموع واعتقلوا مئات المتظاهرين.

مع أنّه لم تدعِّ أي مجموعة قيادة التظاهرات، أطلقت مجموعات عديدة من المجتمع المدني وناشطون مستقلّون دعوات للتظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضدّ الأزمة الاقتصادية وما وصفوه بالفساد والإفلات من العقاب المستشريَيْن. دعا البعض أيضا إلى حلّ البرلمان والحكومة وإنهاء قمع الشرطة. نشرت مجموعةٌ على فيسبوك لائحة مطالب شملت الإفراج الفوري عن المحتجزين بسبب التظاهرات، وإنشاء آلية قضائية لرفع الشكاوي ضدّ عنف الشرطة، ومنح تعويض للفئات المحرومة، ورفع الحدّ الأدنى للأجور.

بناء على مقابلات ومنشورات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي واللقطات الداعمة لها، استعمل عناصر الشرطة، الذين وصل بعضهم في مركبات مدرّعة وبعدّة مكافحة الشغب، في 18 و19 و23 جانفي/يناير ما وصفه الناشطون بكميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع لفضّ المتظاهرين السلميين الذين اجتمعوا في أحد أبرز شوارع العاصمة، شارع الحبيب بورقيبة. في 19 جانفي/يناير، رشّ عناصر الشرطة، من دون استفزاز حسبما قيل، رذاذ الفلفل الحارّ في وجه المصوّر الصحفي نور الدين أحمد بينما كان يغطّي التظاهرات.

قالت صحافية مرخصة للقيام بالتغطية الإعلامية لأحداث 23 جانفي/يناير إنّ الشرطة ضايقتها وصحفية آخرى، وطلبت منها اللقطات التي سجّلتها حول اعتقال ناشط.

قال الناشط منتصر سلام إنّه شاهد، أثناء تظاهرة 23 جانفي/يناير على شارع الحبيب بورقيبة والتي كانت سلمية من دون أيّ عنف مزعوم، ملاحقة عناصر القوى الأمنية للمتظاهرين، وإطلاقهم الغاز المسيل للدموع، وقيام بضرب الكثيرين بالعصي. في اليوم نفسه، نشر ناشطون عبر البث المباشر على فيسبوك فيديو من التظاهرة نفسها يظهر رجلا يستلقي أرضا وينزف على ما يبدو من جانب من وجهه.

قال قريب الراشدي، الرجل الذي توفي بعد إصابته بعبوة غاز مسيل للدموع: "منذ انطلاق التظاهرات، والشرطة تطلق مختلف أنواع عبوات الغاز المسيل للدموع. يرمونها باتجاه الأحياء في القصرين، مالئين المنازل بالدخان".

قد يكون استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع ردّا على المتظاهرين الذين أحرقوا الدواليب ورموا زجاجات المولوتوف متناسبا، لكنّ هذا الاستعمال لفضّ مجموعة صغيرة من المتظاهرين في الليل في مدينة طبربة في 19 جانفي/يناير، مثلا، بدا مفرطا لأنّ الغاز المسيل للدموع اخترق منازل السكان وأثّر في العائلات.

منذ 14 جانفي/يناير، احتجزت الشرطة في مختلف أنحاء البلاد مئات المتظاهرين، بمَن فيهم القاصرين. قال الناطق باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني في 18 جانفي/يناير إنّ السلطات اعتقلت على الأقلّ 630 متظاهرا في مختلف أنحاء البلاد في ذلك اليوم، وأضاف أنّ المحتجزين تراوحت أعمارهم بين 13 و25 عاما.

قال سيف عيادي من "دمج للعدالة والمساواة" إنّ الجمعية رصدت، اعتبارا من 27 جانفي/يناير، من خلال عملها مع "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، اعتقال 1,540 شخصا على الأقلّ خلال التظاهرات. أضاف أنّه، وبحسب محامي الدفاع، اعتقلت السلطات قاصرين من دون إعلام أسرهم فورا، وأنّ الشرطة جمعت، في بعض الأحيان، عشرات المتظاهرين، وعرضتهم لمضايقات في مراكزها، وأرغمتهم على توقيع محاضر للشرطة سبق أن تم اعدادها.

لطالما كان عنف الشرطة في التظاهرات مسألة متكررة في تونس. قالت هيومن رايتس ووتش إنّ السلطات تقاعست عن الاستجابة بتحقيقات شفافة وموثوقة، كما أنّها لم تحاسب أعوان الشرطة وقادة الوحدات المسؤولين عن استعمال القوة المفرطة.

قال غولدستين: "كان من الطبيعي للشرطة أن تحافظ على القانون والنظام، لكن ينبغي ألّا تقمع حرية التعبير والتجمع السلمي".

وفاة هيكل الراشدي

تحدثت "هيومن رايتس ووتش" إلى القديدي الراشدي، ابن عم هيكل الراشدي، وهو طالب عمره 21 عاما توفي متأثرا بجروح في الرأس. قالت عائلته إن الشرطة أطلقت قنبلة غاز مسيل للدموع أصابته أثناء احتجاجات في القصرين في 18 جانفي/يناير.

قال القديدي الراشدي:

نقلته أسرته في البداية إلى مستشفى سبيطلة المحلي، ثم إلى المستشفى الجهوي في القصرين. بعد يومين من إطلاق النار عليه، رتبوا نقله إلى مستشفى  سهلول في سوسة. كان في حالة كارثية. كان قد فقد وعيه أثناء نقله. خضع لعملية جراحية لمدة أربع ساعات. أخبرني والده أنه عند انتهاء الجراحة، قال أحد الأطباء إن حالته "ميؤوس منها" وإنه ينبغي ألا تتفاءل الأسرة. توفي في 25 جانفي.

قال القديدي إن الأسرة تعتزم تقديم شكوى للشرطة بشأن الحادث. قال إن الأسرة أخبرته أن "مستشفى فرحات حشاد الجامعي" في سهلول بسوسة قد أعد تقرير الطب الشرعي.

قال إن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع بشكل مفرط حتى أثناء جنازة هكيل:

منذ بدء الاحتجاجات، والشرطة تطلق جميع أنواع قنابل الغاز المسيل للدموع. يطلقون قنابل الغاز في أحياء القصرين ويملأون المنازل بالدخان. توقف الغاز المسيل للدموع لمدة ليلتين فقط بعد إصابة هيكل ثم عاد مرة أخرى. في جنازة هيكل، رأيت كيف أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع مباشرة على أرجل الناس، وأجسادهم، لتفريق الحشد الغاضب واستباقا لأي احتجاج.

أكد عمري الزواوي، وهو ناشط سياسي و أصيل مدينة سبيطلة حضر جنازة هيكل، ما قال إنه استخدام مفرط للغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة:

حوالي الساعة 1 بعد الظهر، حملت الأسرة جثمان هيكل من منزلهم في حي السرور إلى المقبرة، ومرت على الطريق الرئيسي في وسط مدينة سبيطلة. تمكنتُ من رؤية 60 سيارة شرطة على الأقل في المنطقة. بمجرد أن بدأ الناس في الحشد الذي رافق موكب الجنازة في الصراخ والصياح تنديدا بوفاة الراشدي، بدأت الشرطة  بإطلاق الغاز المسيل للدموع بطريقة مفرطة. لم أتأثر بشكل مباشر بالغاز المسيل للدموع.

في المساء، استخدمت الشرطة المزيد من الغاز المسيل للدموع في أحياء مختلفة في سبيطلة، لا سيما في حي السرور حيث يعيش الراشدي. بدت المنطقة مغطاة بالغاز المسيل للدموع الذي أثّر على العائلات، والنساء، وكبار السن، والأطفال. غضب الشباب هناك، ووقعت مواجهة بين الشرطة والمتظاهرين.

قال الزواوي إنه سمع أنه أثناء الاحتجاجات أصيب عدد أكبر من الناس بكدمات في أرجلهم أو أجزاء أخرى من أجسادهم بعد أن أصيبوا بقنابل الغاز المسيل للدموع.

اعتقال بسبب منشور فيسبوك

قالت بثينة الوحيشي إن الشرطة اعتقلت ابنها أحمد غرام، طالب الفلسفة البالغ من العمر 25 عاما، في منزل العائلة في الضواحي الجنوبية للعاصمة يوم 17 جانفي/يناير. تمت تبرئة غرام وأطلق سراحه في 28 جانفي/يناير، بعد 11 يوما من الحبس الاحتياطي. قالت الوحيشي إنها علمت فيما بعد أنه قبض عليه بسبب منشورات على فيسبوك تنتقد قمع الشرطة، ونظام الحكم، والفساد الرسمي المزعوم، وتفشي الإفلات من العقاب.

قالت إن الشرطة اقتادت ابنها مركز الشرطة دون الاستظهار بمذكرة توقيف رسمية، وإن الشرطة رفضت طلبها توفير محام ليكون معه أثناء استجوابه:

حضر أعوان الشرطة العدلية منمنطقة الأمن الوطني بالمروج  ورئيس مركز الشرطة بالمروج 3 إلى منزلي حوالي الساعة 4:30 بعد الظهر، في 17 جانفي. رافقهم أسطول من سيارات الشرطة. رئيس مركز الشرطة بالمروج 3 يعرف عائلتي وهو الذي قادهم إلى المنزل. طرقوا الباب، وأجاب أحد أبنائي الآخرين. قال الضابطان لابني الآخر أن يحضر أخاه الذي كان نائما.

في غضون ذلك، طلب مني عونا الأمن أن أحضر هاتف أحمد وحاسوبه. كنت ساذجة للغاية، وخشيت أن يؤذوا ابني، لذلك ذهبت لإحضارهما. سألتهم إذا كان ينبغي أن أحصل على محامٍ لأحمد، فقالوا: "هذه ليست حقا مشكلة كبيرة، وسيعود إلى المنزل قريبا". ولم تقل الشرطة أي شيء محدد خلال عملية الإيقاف. لم يذكروا سبب اعتقاله، ولم يظهروا مذكرة توقيف. طلبوا فقط من أحمد مرافقتهم بمفرده في سيارة الشرطة.

تبعتهم بسيارتي. كان أحمد يرتدي البيجاما وحذاء منزليا، ونقل هكذا إلى مركز الشرطة. لم يمنح الوقت لتغيير ملابسه، لم تسمح له الشرطة بذلك. وصلت إلى مركز شرطة المروج 3 في غضون 15 دقيقة بعدهم، حيث طلبت منهم مجددا تعيين محامٍ له، لكنهم استجوبوه دون محام. وأعطوه نسخة واحدة من المحضر ليقرأها ويوقع عليها.

جاء في محضر الشرطة الذي وقعه غرام، والذي راجعته هيومن رايتس ووتش، أنه في سياق الأحداث الأخيرة في البلاد، والوضع الذي تم رصده، تم التوصل إلى أن غرام يحرض، على صفحته على فيسبوك، على أعمال "الشغب والنهب".

يذكر تقرير الشرطة عشرة منشورات فيسبوك على الأقل لمجموعات شبابية داعمة الاحتجاجات ومطالبة بنظام حكم جديد، والتي شاركها غرام على صفحته. وبحسب التقرير، فإن إحدى المنشورات تقول:  "كي تسرق خاطر جيعان و محروم يقولوا عليك جبري و مجرم، كي تسرق فلوس الشعب سنين وتاكل حق الزوالي تولي رجل أعمال و يدافعوا عليك". وجاء في منشور آخر أن "النظام الذي يقوم على السرقة من الطبقات المهمشة والعمال، المبني على تفضيل بعض الناس وتحطيم الآخرين... هل حقا تريد أن يقوم الناس باحتجاجات جميلة ولطيفة؟" لا يبدو أن أيا من المنشورات يحرض على الاحتجاجات العنيفة.

أكد المحضر أن الشرطة أنها صادرت هاتف غرام، رغم أن الوحيشي قالت إن الشرطة صادرت حاسوبه المحمول أيضا. يذكر التقرير أن غرام قال إنه لم يكن بحاجة إلى مقابلة محام أو إجراء فحص طبي عند وصوله إلى مركز الشرطة، لكن الوحيشي قالت إن ابنها طلب الاثنين وتم رفضهما. يسرد التقرير كدليل لقطات لتسعة من منشوراته العشرة على فيسبوك التي يزعم أنها تدينه، ويتهم غرام بـ "التحريض على أعمال الشغب والنهب".

استجوب وكيل الجمهورية لدى محكمة بن عروس الابتدائية غرام بعد أن استجوبته الشرطة وأمر باحتجازه. احتجز غرام في سجن مرناق المدني، حيث زارته أسرته مرتين، وحيث تمكن من التواصل مع محاميه. في 28 جانفي/يناير، برأت محكمة بن عروس الابتدائية غرام من جميع التهم، وأفرجت عنه في نفس اليوم.

قالت الوحيشي، وهي ناشطة ومستشارة طبية في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع بن عروس، وكانت تزور المتظاهرين المحتجزين في سجن مرناق منذ بدء الاحتجاجات، إنها لاحظت علامات الضرب على أجساد ووجوه ما لا يقل عن 16 متظاهرا محتجزا، تتراوح أعمارهم بين 18 و37 عاما. قالت إن المحتجزين أخبروها أن الضرب وقع أثناء مرحلة الإيقاف.

اعتقال يبدو أنه تعسفي

قال منتصر سلّام )20 عاما(، وهو طالب حقوق وعضو في "اتحاد الشباب الشيوعي التونسي"، إن شرطة الأمن الوطني في أريانة، شمال غرب تونس العاصمة، اعتقلته في 17 جانفي/يناير الساعة 2 بعد الظهر أثناء قضاء بعض الحاجات في حي الهادي نويرة أين يقطن:

جاء ستة أعوان على الأقل في سيارة شرطة وأخرى عادية. أربعة اعتقلوني أنا وشابا آخر يدعى منتصر. نقلتني الشرطة دون أمر إيقاف رسمي إلى إدارة الشرطة العدلية في أريانة. أعطيتهم رقمين، رقم والدتي ورقم محاميَّ. اتصلوا بأمي فقط، والتي جاءت ورأتني لفترة وجيزة، لكنهم لم يتصلوا بالمحامي. لم يخبرني أحد عن سبب إيقافي. أخذ أعوان الشرطة هاتفي، وأجبروني على الكشف عن كلمة السر. بدأوا في قراءة منشوراتي على فيسبوك، وعلقوا على أحد الهاشتاغات التي كنت قد استخدمتها، والتي تقول "نظام فاسد".

استجوبني أحد الأعوان، لكن سبعة آخرين على الأقل كانوا يدخلون ويخرجون من الغرفة ويسبونني، قائلين إنني "سأتعفن في السجن"، ويسألونني جميع أنواع الأسئلة العشوائية مثل، "ما هو انتماءك السياسي؟ هل أنت ماسوني؟ هل تعمل مع الاستخبارات؟ هل تعتبر نفسك وطني؟ هلتعمل  مع إسرائيل؟ هل قاتل أحد من عائلتك في سوريا أو العراق؟ هل لديك جواز سفر؟ هل سافرت من قبل؟".

قال سلّام إنه أصر على ضرورة حضور محام له أثناء استجوابه، لكن رُفض طلبه. قال إن أعوان الشرطة شتموه أثناء الاستجواب:

لم يعطني عون الأمن تقريرالشرطة النهائي لأقرأه لكني ألقيت نظرة خاطفة عليه لأنه كان على الطاولة أمامي. ضغطت عليّ الشرطة للتوقيع على المحضر. وصل محاميَّ الساعة 9 مساء بعدما انتهى كل شيء. أثناء التحقيق لم يضربوني، لكن المحققين ضربوا متظاهرين آخرين أمامي لترهيبي.

قال سلّام، الذي أمضى ليلتين في مركز الإحتجاز بوشوشة، إنه لم يحصل على أي معدات للوقاية من فيروس كورونا، مثل القناع الواقي أو معقم اليدين. وصف الاكتظاظ والظروف القذرة في زنزانته:

احتجزوني في غرفة فيها 100 معتقل على الأقل، بينهم أشخاص احتجزوا بسبب الاحتجاجات، ولكن كان هناك معتقلين آخرين. كان الأمر مريعا. كانت الغرفة قذرة للغاية، ولم يكن هناك صابون للغسيل أو غيره من مواد النظافة. أمضى بعض المعتقلين الليلة واقفين بسبب ضيق المساحة. لم ترني عائلتي ولا المحامي خلال الليلتين. كان الطعام سيئا وكان على المحتجزين مشاركة الأطباق.

اتهم وكيل الجمهورية سلّام بـ "تكوين عصابة لأي مدة كانت مهما كان عدد أعضائها بقصد تحضير اعتداء على الأشخاص أو الأملاك"، وهو ما يعد "جريمة ضد الأمن العام" بموجب الفصل 131 من "المجلة الجزائية". قال إنه نقل لأول مرة إلى النيابة العمومية في بن عروس في 18 جانفي/يناير لكنه لم يقابل وكيل الجمهورية حتى اليوم التالي. قال سلّام إن قاضي المحكمة سأله عما حدث ثم برأه من تشكيل جماعة إجرامية، لكنه فرض عليه غرامة قدرها 500 دينار تونسي (حوالي 180 دولار أمريكي) بتهمة "انتهاك حظر التجول" و"خرق البروتوكول الصحي [المتعلق بفيروس كورونا] المعمول به"، وأطلق سراحه في ذلك اليوم.

اعتقال بتهمة "هضم جانب موظف عمومي"

قال حمزة نصري الجريدي )27 عاما(، وهو ناشط ونائب رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تونس العاصمة عن فرع باب بحر، إن أعوان الأمن الوطني اعتقلوه بتهمة "هضم جانب موظف عمومي" حوالي الساعة 3 بعد الظهر. في 18 جانفي/يناير خلال مظاهرة سلمية في شارع الحبيب بورقيبة. قال الجريدي إنه أمضى ثلاثة أيام في السجن لأنه رفع إصبعه الأوسط في وجه أعوان من الأمنأثناء التظاهرة:

أخذني عون الأمن إلى إقليم الأمن في باب السويقة في تونس العاصمة واستجوبوني بحضور أحد محاميي، بعد أن أصريت على حضور محام. سألني الضباط أسئلة مثل، "ما مشكلتك مع أعوان الشرطة؟" و"لماذا فعلت تلك الحركة غير اللائقة؟" أجبته بأنني لا أرى ما  فعلته غير مناسب وأنني أعتبره شكلا من أشكال الاحتجاج.

انتهى بي الأمر بقضاء ثلاث ليال في مركز احتجاز بوشوشة، حيث كانت الظروف مروعة: لم يكن هناك ماء نظيف، ولا صابون للمحتجزين لغسل أيدينا. كنت في غرفة مزدحمة مع حوالي 80 معتقلا آخرين ولم أحصل على بطانية أو مرتبة ونمت على الأرض طوال الليالي الثلاث. كما حرمت من نظارتي التي أحتاج إليها. كان مركز الاحتجاز متسخا للغاية. لم نحصل على أقنعة حماية أو مواد واقية أخرى، مثل معقم اليدين.

قال الجريدي إن الأعوان لم يضربوه أو يسيئوا معاملته.

قال الجريدي إنه مثل أمام قاضي تحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة 1 في 21 جانفي/يناير بتهمتَيْ "هضم جانب موظف عمومي" و"ارتكاب عمل غير أخلاقي علانية"، اللتين يعاقب عليهما بالسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر، و"الإساءة للأخلاق الحميدة والآداب العامة".

أفرج القاضي مؤقتا عن الجريدي بانتظار المحاكمة. حتى 29 جانفي/يناير، لم يكن قد تم إخطاره بموعد المحاكمة.

مضايقة الصحفيين

قالت غاية بن مبارك، الصحفية بموقع "مشكال" الإخباري المستقل بالإنغليزية، والتي غطت الاحتجاجات في تونس العاصمة في 23 جانفي/يناير، إن الشرطة ضايقتها هي وصحافي آخر معها لكي تسلم فيديو سجلته:

عندما بدأت التصوير، اقترب مني ما لا يقل عن عشرة أعوان شرطة وحاول أحدهم انتزاع الهاتف مني. طالبوا برؤية الفيديو وأصروا على معرفة ما إذا كان وجه أحد الأعوان الذي اعتقل للتو ناشطا يمكن التعرف عليه في الفيديو. رفضت منحهم هاتفي وقلت لهم إنني من الصحافة وأني أتوفر على اعتماد. حاصرتني الشرطة أنا والصحفي الآخر، وطلبوا هوياتنا، ثم شرعوا في تصويرها وكذلك تصاريحنا الصحفية.

تحليل الفيديوهات

في مقطع فيديو مدته 38 ثانية نُشر على فيسبوك مساء 17 جانفي/يناير، يمكن رؤية عشرة أعوان شرطة، بعضهم يرتدي زيا رسميا والبعض الآخر بملابس مدنية، وهم يجرون رجلا في شارع باتجاه وميض الأضواء المتقطعة الآتية من سيارية مركونة. ضرب الأعوان الرجل بشكل متكرر بالهراوات وركلوه مرة أثناء جره. يبدو أن الرجل كان مشلول الحركة ولا يقاوم الاعتقال. تم تصوير الفيديو ليلا من الطابق الأول أو الثاني لمبنى يطل على شارع صغير، يُعتقد أنه في بلدة سليانة.

يمكن سماع الأعوان يشتمون الأشخاص الموجودين خارج الكاميرا في الطرف الآخر من الشارع ويطلقون على الرجل الذي ألقوا القبض عليه "أحد الخراف". كما يصرخ بعض الأعوان على الأشخاص الذين يراقبون المشهد العنيف من شرفاتهم. ليس من الواضح ما إذا كان الرجل قد احتج سابقا. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من مكان أو تاريخ الحادث.

في فيديو نشر على صفحة فيسبوك لمجلة "Tunisie Politique" في 19 جانفي/يناير، يمكن رؤية رجل يسعل وهو يغادر المنزل. يدخل الشخص الذي يصور الفيديو إلى غرفة مليئة بالغاز، وهو ما يظهر بوضوح في الفيديو، ثم يمكن رؤيته وهو يغادر المنزل بسرعة وهو يسعل ويكافح من أجل التنفس. ذكر عنوان الفيديو أنه تم تصويره في طبربة، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من مكان أو تاريخ هذه الحادثة

يمكن سماع الشخص الذي يصور الفيديو وهو يقول "انظروا بماذا تضرب شرطة طبربة منازل الناس: الغاز المسيل للدموع، انظروا!" يستمر الرجل الذي يصور في السعال، ويمكن سماع امرأة تقول "هل ما زال المنزل ممتلئا بالغاز المسيل للدموع؟" فيجيبها "اتركيه [المنزل] لمدة ساعة على الأقل".

المعايير القانونية

بصفتها دولة طرف في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" منذ 1969، فإن تونس ملزمة بضمان الحق في التجمع السلمي، وأنه "لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".

كما أن تونس دولة طرف منذ 1983 في "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، والذي ينص بموجب المادة 11 على أن "يحق لكل إنسان أن يجتمع بحرية مع آخرين. ولا يحد ممارسة هذا الحد إلا شرط واحد ألا وهو القيود القيود الضرورية التي تحددها القوانين واللوائح خاصة ما تعلق منها بمصلحة الأمن القومي وسلامة وصحة وأخلاق الآخرين أو حقوق الأشخاص وحرياتهم".

يضمن "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" الذي تم تبنيه عام 1994 لكل مواطن الحق في حرية التجمع السلمي.

تضمن المادة 37 من الدستور التونسي لعام 2014 الحق في "الاجتماع والتظاهر السلميَّين".

الالتزامات بموجب القانون الدولي لها الأولوية على القانون التونسي رقم 69/4 بشأن تنظيم التجمعات والذي يسمح للشرطة بتفريق التجمعات، وقانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 الذي يسمح لقوات الأمن بتفريق التجمعات بصورة عامة.

تنص المعايير الدولية على أن قوات الأمن يجب أن تستخدم الحد الأدنى من القوة اللازمة في جميع الأوقات أثناء الاحتجاجات. تنص المعايير الدولية بشأن استخدام مقذوفات الغاز المسيل للدموع على أنه ينبغي عدم استخدامها إلا لتفريق التجمعات غير القانونية عند الضرورة وبالتناسب، وأنه يجب إطلاقها بزاوية عالية لتجنب الإصابة الخطيرة. ينبغي عدم إطلاق المقذوفات مباشرة على الأفراد أو على الرأس أو الوجه.

تعارض هيومن رايتس ووتش استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق التجمعات غير العنيفة. يمكن أن يكون للتعرض الطويل الأمد أو الشديد للغاز المسيل للدموع عواقب طويلة المدى على الرؤية وصحة الجهاز التنفسي.

يقرّ القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بأنه في سياق تهديد خطير للصحة العامة، مثل فيروس كورونا، يمكن تبرير القيود المفروضة على بعض الحقوق. لكن يجب أن يكون لهذه القيود أساس قانوني، وأن تكون ضرورية للغاية، وليست تعسفية أو تمييزية في التطبيق، ومحدودة المدة، وتحترم كرامة الإنسان، وخاضعة للمراجعة، ومتناسبة مع تحقيق الهدف.

نادرا ما تفي إجراءات الحجر الصحي الواسعة والإغلاق لمدة غير محددة بهذه المعايير، وغالبا ما تُفرض بشكل سريع، دون ضمان حماية الأشخاص الخاضعين للحجر الصحي - وخاصة السكان المعرضين للخطر. نظرا لصعوبة فرض مثل هذا الحجر الصحي والإغلاق بشكل موحد، فإنها غالبا ما تكون تعسفية أو تمييزية في التطبيق.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة