Skip to main content

رسالة "هيومن رايتس ووتش" إلى وزراء خارجية "الاتحاد الأوروبي" بشأن غزة

 

إلى:     السيد جوزيب بوريل فونتيليس، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس "المفوضية الأوروبية"

السادة وزراء خارجية الدول الأعضاء في "الاتحاد الأوروبي"

الموضوع: موقف الاتحاد الأوروبي من الأعمال العدائية في غزة والوضع في إسرائيل وفلسطين

حضرة السيد جوزيب بوريل المحترم،

حضرات السادة وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المحترمين،

تحية طيّبة وبعد،

نكتب إليكم قبل مناقشات "مجلس الشؤون الخارجية" في الاتحاد الأوروبي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني حول الوضع في إسرائيل وفلسطين لإثارة سلسلة من المخاوف بشأن التطورات الجارية وموقف الاتحاد حتى الآن، ولنشارك معكم قائمة توصيات إلى الاتحاد والدول الأعضاء فيه حول سبل المضي قدما.

الكارثة الإنسانية التي هي من صنع الإنسان في غزة مستمرة في التدهور السريع. الهجمات التي شنتها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في 7 أكتوبر/تشرين الأول ضد المدنيين الإسرائيليين وغيرهم من المدنيين، واحتجاز العشرات من الرهائن المدنيين، وهو ما يشكل جريمتي حرب، صدمت للعالم بوحشيتها. رد الحكومة الإسرائيلية غير المتناسب، بقطع المياه والغذاء والوقود والكهرباء عن أكثر من 2.2 مليون شخص يعيشون في غزة، يشكل عملا من أعمال العقاب الجماعي، وهو أيضا جريمة حرب. وثّقت هيومن رايتس ووتش كيف تسبب تقليص السلطات الإسرائيلية الشديد للمساعدات الإنسانية إلى غزة في معاناة هائلة للسكان المدنيين، مما أضر بشكل خاص بالنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة.

الغارات الجوية العنيفة غير المسبوقة التي شنتها القوات الإسرائيلية، والتي أصابت المدارس (وفقا "للأمم المتحدة") والمستشفيات والمنازل في غزة، حوّلت مجمعات بأكملها وأجزاء كبيرة من الأحياء إلى أنقاض. قُتل أكثر من عشرة آلاف شخص، من بينهم 4,008 أطفال، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول بحسب وزارة الصحة في غزة.

قتلت حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة المدنيين عمدا، واحتجزت مدنيين كرهائن وهددت ببث عمليات إعدامهم، وأطلقت آلاف الصواريخ على المجتمعات الإسرائيلية. طبقا للحكومة الإسرائيلية، أسفر هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي قادته حماس على إسرائيل عن مقتل نحو 1,400 شخص، مئات منهم من المدنيين.

من الواضح أن الإفلات من العقاب على الانتهاكات الماضية قد ساهم في انتهاكات اليوم، التي لا تظهر أي علامات على التراجع. رغم ذلك، التزمت أغلب حكومات الاتحاد الأوروبي الصمت بشأن الدور الحاسم الذي تلعبه "المحكمة الجنائية الدولية"، وهي الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة بالفعل بتحقيق عدالة محايدة.

علاوة على ذلك، تزعم تقارير إعلامية في إسرائيل أن الحكومة الإسرائيلية أقرت بدراسة اقتراح لنقل سكان غزة إلى مصر. حوالي 70% من سكان غزة هم من اللاجئين، والعديد منهم أو سلالاتهم هم من ضمن أولئك الذين فروا أو طُردوا من منازلهم في 1948 فيما يعرف الآن بإسرائيل. منعتهم الحكومة الإسرائيلية من ممارسة حقهم في العودة، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي. الأمر الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية للسكان المدنيين في شمال غزة بالإخلاء والانتقال إلى جنوب القطاع يمكن أن يرقى إلى مستوى جريمة حرب تتمثل في التهجير القسري، كما هو الحال بالنسبة لطرد سكان غزة إلى داخل مصر، خاصة إذا حُرموا من حقهم في العودة عند انتهاء الأعمال العدائية. ينبغي لشركاء إسرائيل ومصر الدوليين تجنب التواطؤ في أي أعمال غير قانونية.

ترافق رد السلطات الإسرائيلية على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول مع تصريحات مهينة وتحريضية من قبل القادة السياسيين الإسرائيليين، والتي تشير إلى تجاهل القانون الإنساني الدولي. قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في 9 أكتوبر/تشرين الأول: "إننا نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف وفقا لذلك". قال وزير الطاقة الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الذي أمر بقطع الكهرباء والوقود والمياه عن جميع سكان غزة، إنه "لا يوجد سبب" لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني حتى "تقضي" القوات الإسرائيلية على حماس. حتى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي قال إن إسرائيل تحترم القانون الإنساني الدولي، قال: "إن الأمة بأكملها هي المسؤولة".

في الوقت نفسه، يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية قمعا غير مسبوق. حتى 1 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت السلطات الإسرائيلية تحتجز أكثر من ألفي فلسطيني إداريا دون محاكمة أو تهمة، وهو أعلى رقم منذ أكثر من 30 عاما، وفقا لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "مركز الدفاع عن الفرد" ("هموكيد"). حتى 6 نوفمبر/تشرين الثاني، قتلت القوات الإسرائيلية 394 فلسطينيا في الضفة الغربية، وهو عدد أكبر من أي عام آخر منذ 2005، عندما بدأت "الأمم المتحدة" في تسجيل الوفيات بشكل منهجي. أدت سياسات الحكومة الإسرائيلية القسرية والتقييدية وعنف المستوطنين إلى تهجير أكثر من 900 فلسطيني من أكثر من 15 مجتمعا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقا لـ "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "(أوتشا).

كشف رد الاتحاد الأوروبي على الأعمال العدائية المستمرة، فضلا عن موقفه بشأن الوضع في إسرائيل وفلسطين قبل هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، عن المعايير المزدوجة التي أثارت تساؤلات حول التزام الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل بعض الدول الأعضاء فيه، بالقانون الدولي.

قبل الهجمات، لم تعترف أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي علنا، باستثناء اقتراح تدابير للتعامل مع الوضع، بارتكاب المسؤولين الإسرائيليين للجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين، وكلاهما مقنن في "نظام روما الأساسي" للمحكمة الجنائية الدولية. قدم الاتحاد الأوروبي المساعدات الإنسانية والتنموية التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة، وركز جهوده على محاولات إحياء احتمالات التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض. لكن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ أي إجراء مع استمرار الحكومات الإسرائيلية اللاحقة في التمييز المنهجي والقمع ضد الفلسطينيين وفي تجاهل دعوات الاتحاد الأوروبي المتكررة لوقف التوسع الاستيطاني، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، والترحيل القسري للفلسطينيين. الانقسامات الحادة الطويلة الأمد بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي كشف عنها مؤخرا سجل التصويت المتفاوت على قرار "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في 27 أكتوبر/تشرين الأول بشأن الأعمال العدائية المستمرة، جعلت من المستحيل عمليا على الاتحاد الأوروبي تأمين الإجماع اللازم لتبني أي تدبير ملموس للتصدي للانتهاكات المنهجية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية.

بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعربت البيانات الأولية لممثلي الاتحاد الأوروبي رفيعي المستوى، مثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، عن دعمهم القاطع للحكومة الإسرائيلية للتحرك عسكريا في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي قادتها حماس، لكنها لم تذكر ضرورة الامتثال للقانون الدولي الإنساني. استمرت تصريحات مماثلة حتى بعد أن قطعت الحكومة الإسرائيلية بالفعل الإمدادات الأساسية عن الفلسطينيين وبدأت في إسقاط أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق على غزة المكتظة بالسكان، مما أدى إلى مخاطر متوقعة بإلحاق أضرار كبيرة بالمدنيين. أُطلَقت أيضا عدة دعوات في البداية لقطع مساعدات الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين، على افتراض أن بعضها قد يصل إلى حماس. ساعدت الجهود التي بذلها الممثل الأعلى جوزيب بوريل ورئيس "المجلس الأوروبي" شارل ميشيل وآخرون في تصحيح بعض هذه الأخطاء، والتوصل إلى إجماع الاتحاد الأوروبي على الدعوات الأساسية إلى الحكومة الإسرائيلية لاحترام القانون الإنساني الدولي والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المحتاجين إليها. لكن الاتحاد الأوروبي لم يعترف أو يدين العقاب الجماعي الذي تمارسه القوات الإسرائيلية في غزة، والذي يعتبر جريمة حرب، ولم يدعُ إلى المساءلة.

يتناقض صمت الاتحاد الأوروبي بشكل حاد مع جهوده الملحوظة للتصدي للجرائم الخطيرة في أوكرانيا، ومع التزام الاتحاد الأوروبي وجهوده الأوسع لتعزيز احترام القانون الدولي وتطبيقه على قدم المساواة، بما في ذلك قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

يبدو أن هذا الالتزام وتلك الجهود يتلاشيان بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، كما يتضح أيضا من سجلات التصويت المتباينة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022 والذي يطلب رأيا استشاريا من "محكمة العدل الدولية" بشأن العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي.

صمت الاتحاد الأوروبي لا يأتي فقط على حساب الملايين من المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية الذين واجهوا بالفعل قمعا منهجيا لعقود من الزمن، لكن أيضا على حساب مصداقية الاتحاد الأوروبي تجاه الدول غير الغربية (ما يسمى "الجنوب العالمي") كطرف فاعل في السياسة الخارجية القائمة على المبادئ. يقوّض ذلك أيضا الجهود الجديرة بالثناء التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لقيادة العديد من المبادرات المتعلقة بحقوق الإنسان والمساءلة في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى. الحكومات التي أظهرت مرارا وتكرارا تجاهلا للقانون الدولي وحاولت إضعاف النظام الدولي لحقوق الإنسان، مثل الصين وروسيا، تخاطر باستغلال هذا الاستعراض للمعايير المزدوجة.

مع استمرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في مناقشة الوضع سريع التطور في إسرائيل وفلسطين والديناميكيات الإقليمية، توصي هيومن رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بالنظر في الخطوات التالية:

  • تأكيد إدانة الهجمات الشنيعة التي شنتها حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي تشكل جرائم حرب، وتكرار الدعوات إلى حماس والجماعات المسلحة الأخرى لوقف إطلاقها العشوائي للصواريخ تجاه المجتمعات الإسرائيلية، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المدنيين؛
  • الاستمرار في حث الحكومات التي تتمتع بنفوذ على حماس، بما في ذلك قطر ومصر وتركيا، على استخدام نفوذها للضغط من أجل إطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن ومعاملتهم بشكل إنساني حتى يتم إطلاق سراحهم.
  • إدانة قطع السلطات الإسرائيلية للغذاء والمياه والوقود والكهرباء عن سكان غزة كعقاب جماعي، وهو جريمة حرب، وحث السلطات الإسرائيلية على إزالة جميع القيود غير المبررة التي ما تزال تمنع وصول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى المدنيين في غزة؛
  • دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى الامتناع عن الاستخدام غير القانوني والعشوائي وغير المتناسب للأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق والفوسفور الأبيض في المناطق المكتظة بالسكان؛
  • الدعوة إلى المساءلة عن الجرائم الخطيرة التي ارتكبتها جميع الأطراف، والتعبير عن الدعم المطلق للمحكمة الجنائية الدولية في تحقيق عدالة محايدة، بما في ذلك في تحقيقاتها في الوضع في فلسطين، والالتزام بضمان حصول المحكمة الجنائية الدولية على الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي الذي تحتاجه وتنفيذ ولايتها العالمية؛
  • معارضة أي خطة لترحيل سكان غزة إلى مصر بشكل لا لبس فيه، وتسليط الضوء على خطر التهجير القسري والتأكيد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
  • تعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة للحكومة الإسرائيلية ما دامت قواتها ترتكب انتهاكات خطيرة وواسعة النطاق ترقى إلى مستوى جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين مع الإفلات من العقاب، وحث الحكومات الأخرى على التوقف عن تقديم الأسلحة إلى الجماعات الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، طالما أنهم يرتكبون بشكل منهجي هجمات ترقى إلى مستوى جرائم حرب ضد المدنيين الإسرائيليين؛
  • الاعتراف بالحاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف في إسرائيل وفلسطين، بما في ذلك الإفلات من العقاب على الهجمات غير القانونية التي تشنها القوات الإسرائيلية والجماعات المسلحة الفلسطينية، وجرائم الحكومة الإسرائيلية ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين، والتوسع المستمر في المستوطنات الإسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي.

صياغة دعوات لاحترام القانون الدولي الإنساني أمر مهم، لكن عندما يُنتهك هذا القانون بشكل يومي، مما يكلف أرواح ويتسبب بمعاناة الكثيرين، ذلك لا يكفي. الافتقار إلى الإجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يشكل ذريعة للتقاعس عن العمل. تتحمل كل حكومة في الاتحاد الأوروبي ملتزمة بدعم حقوق الإنسان والقانون الدولي مسؤولية التحدث واعتماد التدابير المذكورة أعلاه بصفتها الخاصة، مع حث الآخرين على أن يحذوا حذوها.

نأمل أن تدعموا هذه التوصيات ونُعرِب عن استعدادنا لمناقشة هذه القضايا معكم في أقرب فرصة.

تفضلوا بقبول فائق الاحترام،

تيرانا حسن

المديرة التنفيذية

هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة