Skip to main content

إسرائيل ـ قوات الأمن تسيء إلى أطفال فلسطينيين

باستعمال وضعية الخنق والضرب والاستجواب بالإكراه

عناصر من شرطة حرس الحدود الإسرائيلية يعتقلون أحمد أبو سبيتان، 11 عاما، أمام مدرسته في القدس الشرقية. اتهمته الشرطة برمي الحجارة عليهم.  © مجد غيث

(القدس) ـ الأمن الإسرائيلية استخدمت القوة غير المبررة لاعتقال أطفال فلسطينيين تصل أعمار بعضهم إلى 11 عاماً، فقامت بخنق الأطفال، وإلقاء القنابل الصاعقة عليهم، وضربهم أثناء الاحتجاز، وتهديدهم واستجوابهم في غياب آبائهم أو محاميهم، كما أخفقت في إخطار آبائهم بمكانهم.

وقد أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أربعة صبية تبلغ أعمارهم 11 و12 و15 عاماً من أحياء مختلفة في القدس الشرقية، وفتاة عمرها 14 عاماً وصبياً عمره 15 عاماً من مناطق أخرى في الضفة الغربية، كانت القوات الإسرائيلية قد اعتقلتهم في حوادث منفصلة لمزاعم بقيامهم بإلقاء الحجارة من مارس/آذار وحتى ديسمبر/كانون الأول 2014. وقدم الصغار وآباؤهم روايات عن انتهاكات أثناء الاعتقال والاستجواب سببت لهم الألم والخوف والقلق المستمر. واطلعت هيومن رايتس ووتش على صور فوتوغرافية وعلامات على جسم أحد الأطفال تتفق مع ما رواه هو وأبواه، كما اتفقت روايات الصغار مع بعضها البعض.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "إن قيام القوات الإسرائيلية بإساءة معاملة أطفال فلسطينيين هو أمر مروع، يتعارض مع مزاعمها باحترام حقوق الأطفال. وعلى الولايات المتحدة، بصفتها أكبر المانحين العسكريين لإسرائيل، أن تتشدد في الضغط من أجل إنهاء تلك الممارسات المسيئة، وفي سبيل إجراء إصلاحات".

وقد قال الأطفال وآباؤهم، في كل حالة وثقتها هيومن رايتس ووتش، إن السلطات الإسرائيلية لم تخطر الآباء باعتقال أطفالهم، واستجوبت الأطفال بغير السماح لهم بالتحدث مع أحد الأبوين أو مع محام قبل الاستجواب. وفي أربعة حالات لم يحضر أي من الأبوين عملية الاستجواب، وفي حالتين لم يسمح المحققون لأحد الأبوين بالحضور إلا في النهاية. وقال صبيان عمرهما 15 عاما، والفتاة التي تبلغ من العمر 14 عاماً، إنهما وقعا على اعترافات مكتوبة بالعبرية التي لا يفهمونها، بعد أن هددهم المحققون. وقال أحد الصبية إن الجنود "لكموه وركلوه" ثم قدموا إليه الاعتراف العبري لتوقيعه.

قال راشد س.، 11 سنة، إن أفراداً من قوة شرطة الحدود الإسرائيلية قذفوه بقنبلة صاعقة (وهي سلاح انفجاري غير مميت يصدر ضوءاً باهراً وضجة شديدة الارتفاع تتسبب في فقدان التوازن)، وثبتوه في وضعية الخنق حينما اعتقلوه لإلقاء الحجارة في نوفمبر/تشرين الثاني. وقال إن رجال الشرطة وضعوا على رأسه كيساً أسود، وهددوه بالضرب، وركلوه في قصبة الساق فيما كانوا يأخذونه للاستجواب. وقام أفراد شرطة الحدود بنزع سترته وقميصه عنه أثناء الاعتقال، لكنهم أبقوه في العراء لمدة ساعة رغم برودة الجو، بحسب قوله. وقد اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور فوتوغرافية للشرطة وهي تعتقله، ولعلامات على ساق الصبي تتفق مع روايته. وقررنا عدم استخدام اسم راشد الكامل، وكذلك اسم طفل آخر أجريت معه مقابلة، حماية لهما.

وقال اثنان من الصبية الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات إنهما تبولا على نفسيهما جراء الخوف في توقيت الاعتقال، وقال ثلاثة إنهم تعرضوا لكوابيس وصعوبة في النوم فيما بعد. وقالت عائلتا صبي في الخامسة عشرة والفتاة ذات الـ14 عاماً إنهم منعوا من زيارتهما أو مجرد الاتصال بهما هاتفياً أثناء احتجازهما ـ طوال 64 يوماً للفتاة و110 أيام بالنسبة للصبي.

وقال صبي آخر عمره 15 عاماً من القدس الشرقية، هو فارس الشيوخي، إن رجال شرطة الحدود الإسرائيلية فتشوه ذاتياً وصفعوه وركلوه، وقاموا بتهديده، وحبسوه من 6 مارس/آذار إلى 2 أبريل/نيسان 2014 للاشتباه في قيامه بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف على مستوطنة في حيه. وأفرج عنه لاحقاً على أن يوضع تحت الإقامة الجبرية لأجل غير مسمى، لكنهم عاودوا حبسه منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول إلى 6 يناير/كانون الثاني 2015، بعد إخفاقه في المثول أمام المحكمة في إحدى الجلسات بحسب عائلته.

وقد خضعت إقامة فارس الجبرية لبعض التخفيف في يناير/كانون الثاني بعد إبلاغ محاميه لقضاة محكمة القدس بأن الصبي قد هدد بالانتحار، فسمحوا له بمغادرة المنزل لمدة 6 ساعات في الأسبوع إذا كان في رفقة أمه. وفي 29 مارس/آذار رفع القاضي الإقامة الجبرية، لكن جنوداً إسرائيليين اعتقلوه مرتين منذ ذلك الحين، كما قال لـ هيومن رايتس ووتش، زاعمين دون وجه حق أنه خرق إقامته الجبرية.

وقام أفراد شرطة الحدود الإسرائيلية بتثبيت صبي آخر عمره 11 عاماً، هو أحمد أبو سبيتان في وضعية الخنق أثناء اعتقاله خارج بوابات مدرسته في حي آخر من أحياء القدس الشرقية، بحسب الصبي وصور فوتوغرافية للواقعة، واعتقلوا رجلاً عمره 22 عاماً حاول التدخل بدون عنف، كما قال أحمد والرجل المسمى محمد ح. فيما بعد قامت الشرطة بتفتيش الرجل البالغ من العمر 22 عاماً ذاتياً والاعتداء عليه بالضرب في الغرفة التي تم احتجاز أحمد فيها، كما قال لـ هيومن رايتس ووتش.

واعتقلت الشرطة الصبي محمد الخطيب الذي يبلغ من العمر 12 عاماً بينما كان ينتظر استقلال الحافلة للعودة إلى منزله من المدرسة أمام القدس القديمة. وقال الصبي إن أحد رجال الشرطة "أمسك بمؤخرة سترتي ورفعني من على الأرض، فكنت أختنق". وقال أحد رجال الشرطة لوالد الصبي إن الشرطة تبحث عن مشتبه به في إلقاء الحجارة "يرتدي قميصاً أزرق"، وهو لون زي مدرسة الصبي، كما قال والده. استجوبت الشرطة الصبي بدون السماح لوالده بالحضور، وأفرجت عنه بدون توجيه اتهام بعد 8 ساعات.

وتعمل المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدقت عليه إسرائيل في 1991، على إلزام إجراءات المحاكم بأن تناسب أعمار المتهمين الأحداث، وأن تكون "مواتية لإعادة تأهيلهم". أما اتفاقية حقوق الطفل، التي صدقت إسرائيل عليها أيضاً في 1991، فتستفيض في هذا الإلزام وتوجه الدول إلى ضمان "عدم إكراهه .. على الاعتراف بالذنب". وقد قررت اللجنة المكلفة بتفسير الاتفاقية أن هذا يتضمن الحق في طلب حضور أحد الأبوين أثناء الاستجواب، وأن على القضاة مراعاة غياب الأبوين أو المحامي أثناء الاستجواب، علاوة على عوامل أخرى، عند النظر في موثوقية الاعترافات.

ويعمل قانون الشباب الإسرائيلي، والأوامر العسكرية المنطبقة على الضفة الغربية، على إلزام الشرطة بإخطار أحد الأبوين باعتقال الطفل، وبالتشاور مع محام قبل الاستجواب. كما يمنح قانون الشباب الطفل الحق في حضور أحد أبويه أثناء الاستجواب، عدا حالات "الجرائم الأمنية" المزعومة مثل رمي الحجارة. ورغم أن قانون الشباب ينطبق فقط على إسرائيل، إلا أنه وفقا للجيش ينطبق هذا الشرطة كذلك في الضفة الغربية فعليا.

قدمت هيومن رايتس ووتش نتائجها الأولية، بما في ذلك تفاصيل خمس حالات فردية قامت بالتحقيق فيها، إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية والشرطة الإسرائيلية. وأخفقت الردود المنفصلة الواردة من وزارة الدفاع، ووزارة العدل والتي ردت بالنيابة عن الشرطة، في التصدي للمزاعم المحددة حول القوة غير الضرورية أثناء الاعتقال، وإساءة المعاملة بعد ذلك، بينما أكدت أن المسؤولين الأمنيين التزموا بالقانون في كافة الحالات، بما فيه إطلاع الأطفال على حقوقهم.

وذكر المسؤولون أن عمليات استجواب الأطفال الفلسطينيين أجريت باللغة العربية وكان يتم تسجيلها باستمرار، وأن الوثائق باللغة العبرية مترجمة إلى العربية. وفي كل الحالات، لم تتصدى الردود مباشرة إلى السؤال عما إذا كان المسؤولون أبلغوا الأطفال باعتقال أبناءهم. وقالت وزارة الدفاع في ردها إن المخالفات الإجرائية يتم النظر فيها بجدية وقد تؤدي إلى قرار بعدم مقبولية أحد الاعترافات كدليل ضد متهم ما. واستشهدت وزارة الدفاع بعدة حالات تم فيها الإفراج عن الأطفال بسبب مخالفات خطيرة تتعلق بعملية الاستجواب.

تشير تحقيقات هيومن رايتس ووتش إلى أن القوانين القائمة غير كافية لضمان حقوق الأطفال الفلسطينيين الموجودين في عهدة الشرطة الإسرائيلية ووزارة الدفاع، وأن المسؤولين يمتثلون في كثير من الأحيان إلى الشروط والإجراءات القانونية بطريقة تقوض الحماية التي كانوا يهدفون إلى ضمانها. وعلى سبيل المثال، فهم يقومون في كثير من الأحيان بتسجيل الاستجوابات لمنع استخدام العنف والتهديدات ضد الأطفال، ولكن كثيرا من الأطفال المستجوبين اشتكوا من تعرضهم إلى الضرب أو التهديد قبل استجوابهم رسميا كحمفز لهم على "الاعتراف". فضلا عن هذا، فقد قال العديد من الأطفال إنه تم إبلاغهم بحقهم في استشارة محام قبل استجوابهم مباشرة فقط وإن الشرطة أو الجيش رفضوا تأجيل الاستجواب لحين حضور محاميهم.

يستخدم المحققون الإسرائيليون اللغة العربية عندما يستجوبون أطفالا فلسطينيين ولكنهم كثيرا ما يستخدمون العبرية لتوثيق المقابلات – فمن بين 440 عملية استجواب قاموا بإجراءها في 2014، تم توثيق 138 فقط منها بالعربية، وفقا للجيش الإسرائيلي – أو يخفقون في تسجيل الاستجوبات بالصوت أو بالصوت والصورة – 128 من 440 حالة بحسب الجيش. ويعني هذا أنه في كثير من الحالات يتم توثيق الاعترافات أو غيرها من التصريحات التي يمكن أن تنطوي على إدانة والتي يدلي بها أطفال معتقلون، يتم توثيقها بلغة لا يفهمونها، وليس من سبيل إلى تأكيد ما إذا كان يتم نقل محتوى هذه الوثائق إلى الأطفال عبر ترجمة دقيقة قبل أن يوقعوا عليها.

وتضاف الاعترافات التي جرى التحصل عليها من الأطفال في مخالفة لحقوقهم إلى الضغوط التي تمارس عليهم لدفعهم إلى التعاون في مساومات اعتراف تؤدي إلى سجنهم بعقوبات مخففة، بحسب هيومن رايتس ووتش.

وقالت سارة ليسا ويتسن: "تم إشعار إسرائيل منذ سنوات بأن قواتها الأمنية تنتهك حقوق الأطفال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لكن السلطات الإسرائيلية أخفقت على نحو صارخ في التصدي لهذه المشكلة. وبالنظر إلى جسامة الانتهاكات فإن على الولايات المتحدة ممارسة ضغط جدي على أوثق حلفائها في المنطقة لإنهائها".

اعتقالات مسيئة للأطفال

قررت هيومن رايتس ووتش التركيز على قضية الاعتقالات المسيئة للأطفال لأن تقارير صادرة عن منظمات حقوقية محلية ووسائل إعلام إخبارية أشارت إلى وجود ما يبدو أنه نمط من تلك الاعتقالات، كما أكدته أبحاث المتابعة. وقد بدأت هيومن رايتس ووتش بتحديد الحالات المستحقة للتوثيق استناداً إلى تلك التقارير، حيثما أشارت المعلومات المبدئية إلى احتمالية وقوع انتهاكات. وحصلت هيومن رايتس ووتش على موافقة الأطفال وواحد على الأقل من الأبوين قبل إجراء المقابلات، كما أبلغتهم بتخصيص المقابلات للنشر في تقرير حقوقي. وفي بعض الحالات يحجب التقرير الاسم الكامل لمن أجريت معه المقابلة حماية لسلامته وخصوصيته. ولم تعرض هيومن رايتس ووتش على من أجريت معهم المقابلات أي نوع من أنواع التعويض.


وتتفق انتهاكات الأطفال التي وثقتها هيومن رايتس ووتش مع معلومات مستمدة من منظمات أخرى، في الضغة الغربية بوجه خاص. فقد أفادت اليونيسيف في 2013 بأنه "يبدو أن إساءة معاملة الأطفال المتعاملين مع نظام الاحتجاز العسكري واسعة الانتشار وممنهجة ومؤسسية". وقد ردت إسرائيل على التقرير بالتعهد "بالتعاون مع اليونيسيف لتنفيذ توصيات التقرير". ومع ذلك، وبحسب بيانات محدثة من اليونيسيف، فإن تقارير إساءة معاملة الأطفال بأيدي القوات الإسرائيلية "لم تنخفض على نحو محسوس في 2013 و2014". وأفادت اليونيسيف بأنها من سبتمبر/أيلول 2013 إلى سبتمبر/أيلول 2014 قد تلقت إفادات من 171 طفلاً تقرر أن أفراد القوات الإسرائيلية أخضعوهم لـ"العنف البدني أثناء الاعتقال والاستجواب و/أو الاحتجاز".

ويجري الجيش الإسرائيلي مداهمات اعتقال ليلية لمنازل عائلات الأطفال، فقد قام في 2013 باعتقال 162 طفلاً في تلك المداهمات، بحسب الجيش. وفي فبراير/شباط 2014 تقدم الجيش بـ"مشروع تجريبي" ينطوي على إصدار استدعاءات لعائلات الأطفال المطلوبين للاستجواب في منطقتين من مناطق الضفة الغربية، لكنه ألغى المشروع في يناير/كانون الثاني 2015 بسبب زيادة في أحداث العنف خلال الصيف، وقال إنه لم يحتفظ بإحصائيات عن المشروع.

وقام الجيش الإسرائيلي بتصنيف 163 طفلاً فلسطينياً من الضفة الغربية كـ"محتجزين أمنيين" ـ وبينهم أطفال أدينوا بتهم مثل إلقاء الحجارة، لكنهم لا يشملون غيرهم من "المحتجزين الجنائيين" ـ رهن الاحتجاز الإسرائيلي في نهاية يناير/كانون الثاني 2015، بحسب مصلحة السجون الإسرائيلية. ويتم احتجاز الأطفال الفلسطينيين من القدس الشرقية، وهي أرض محتلة ادعت إسرائيل أنها ضمتها إلى أراضيها بالمخالفة للقانون الدولي، بموجب القانون الوطني الإسرائيلي وليس الأوامر العسكرية. ولم تتح لنا إحصائيات عن الأطفال المحتجزين من القدس الشرقية.

راشد س.، 11 سنة

قامت قوات شرطة الحدود الإسرائيلية باعتقال راشد س.، 11 سنة، أمام مدرسته في منطقة عين اللوز بحي سلوان في القدس الشرقية، بعد ظهر 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وقال راشد: "كان عدد قليل من الصغار يلقي الحجارة على الجنود، الذين كانوا جميعاً بزي أسود، فخرجوا من سيارتهم. وجريت إلى المسجد، لكنهم ألقوا بقنبلة صوتية أصابت ساقي على الدرج، فسقطت على الدرج وأمسكوا بي من قميصي. ثبتوني في وضعية الخنق وطرحوني أرضاً ووجهي لأسفل".

قامت قوة الشرطة بتمزيق قميص راشد وسترته أثناء الاعتقال، كما قال. وراجعت هيومن رايتس ووتش صورة التقطها أحد سكان الحي وتظهر الصبي بدون قميص، فيما يمسك به أحد أفراد شرطة حرس الحدود الإسرائيلية. وفي إحدى المراحل أثناء الاعتقال أو بعده، تبول راشد على نفسه خوفاً، كما قال. وقال راشد ووالده، قائد، إن الشرطة لم تقدم له أي رداء يدفئه طوال ساعات. وتبين سجلات الأرصاد الجوية أن درجة الحرارة في القدس يومذاك كانت نحو 12 مئوية. قال راشد إن رجال الشرطة اقتادوه إلى مستوطنة في الحي، ووضعوه في "غرفة تخزين" لمدة 15 دقيقة، ثم اقتادوه إلى مكتب للشرطة قرب بوابة الخليل في أسوار القدس القديمة، وكانوا "يضعوه بسيارة ويخرجونه منها" كما احتجزوه في العراء لمدة حوالي ساعة.

وقال راشد: "حينما اقتادوني من المستوطنة إلى المكتب وضعوا على رأسي كيساً قماشياً أسود، وكانوا يصيحون‘سنضربك، يجب أن تخبرنا من كان يلقي الحجارة معك‘. ثم ظلوا يدفعونني ويسبونني بالعربية. وركلوني في قصبة ساقي وتغير لونها. كنت أتجمد من البرد. وظلوا يدخلونني إلى سيارة ويخرجونني منها".                                                               

وقال راشد إن رجال الشرطة أخذوه بعد ذلك إلى مقر الاحتجاز في المجمع الروسي، المعروف بالعربية بالموسكوبية، شمالي البلدة القديمة. وقال رشيد: "رفعوا الكيس من فوق رأسي قبل الاستجواب". وقال والده إن الجيران اتصلوا لإبلاغه باعتقال راشد، وإنه قاد سيارته إلى أحد المخافر بشارع صلاح الدين في القدس الشرقية. "ثم تلقيت مكالمة من محقق بالشرطة يأمرني بالحضور إلى الموسكوبية" كما قال. لم يكن استجواب راشد قد بدأ، لكن الشرطة "أجلسته في مواجهة جدار بشرفة خارجية، وكان الجو قارس البرودة" كما قال والده. "وصحت بهم أنهم يعاملونه كالحيوان، فقالوا إنهم سيعتقلونني بتهمة ‘التدخل في سير الاستجواب‘ إذا لم أهدأ".

استمر الاستجواب لمدة ساعة تقريباً، وتم تسجيله حسبما قال راشد ووالده. ولم يعترف راشد بإلقاء الحجارة، لكنه قال إنه هرب من القوات الإسرائيلية ببساطة لأن القوات ألقت بقنبلة صاعقة على مجموعة الأطفال التي كان يقف معها. وقال إن صبية أكبر سناً في المجموعة ألقوا بالحجارة لكنه لا يعرف أسماءهم.

وقال والد راشد: "عند عودته إلى البيت كان يرى الكوابيس. واستيقظ صارخاً طوال أربع أو خمس ليال على التوالي. وقال راشد لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان يحلم باعتقاله "مرة بعد مرة بعد مرة"، وشعر بالخوف من الذهاب إلى المدرسة.

وقال راشد إن الشرطة الإسرائيلية في توقيت أسبق من عام 2014 اعتقلت اثنين من رفاق فصله الذين في عمر الحادية عشرة ، هما آدم وبراء، للاشتباه في إلقائهما للحجارة، واحتجزت أحدهما طوال الليل.

أحمد أبو سبيتان، 11 سنة

قام أفراد من شرطة الحدود الإسرائيلية باعتقال أحمد أبو سبيتان، 11 سنة، في نحو الثانية والنصف من مساء 21 ديسمبر/كانون الأول 2014، كما قال لـ هيومن رايتس ووتش. وادعت الشرطة أنه ألقى بحجر عليهم فيما كان يغادر مدرسة خالد راشد في حي تل الطور بالقدس الشرقية، حيث يدرس بالصف السادس. وقال أحمد: "كان الأطفال يلقون الحجارة على الجنود، و[شرطة الحدود] يلقون بالقنابل الصوتية [الصاعقة] و[يطلقون] الطلقات المطاطية. أمسكوا بي وأنا أسير من مدخل المدرسة إلى الشارع الرئيسي".

وقد راجعت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو وصوراً فوتوغرافية تظهر أحد أفراد شرطة الحدود وهو يثبت أحمد في وضعية الخنق أثناء اعتقاله. "لم يسألوني عن أي شيء، بل قالوا فقط ‘تشتوك‘ لأنني كنت أبكي ـ والكلمة تعني ‘اسكت‘. كانت إحدى معلمات روضة الأطفال واثنان من رجال الحي يحاولون إقناعهم بإخلاء سبيلي، لكنهم تجاهلوهم واعتقلوا أحد الرجلين أيضاً". وقال أحمد إنه تبول على نفسه من الخوف أثناء اعتقاله.

وقد أيد محمد ح.، 22 سنة، الذي اعتقل بدوره، رواية أحمد في مقابلة منفصلة:

كانوا يخنقون الصبي، وكنت أرى أنه يشعر بالرعب. ظللت أحاول التحدث مع الشرطة، قائلاً إنه صغير السن، وإننا نضمن لهم تقديمه إلى مخفر الشرطة إذا أخلوا سبيله، لكنهم رفضوا. ظللت أحاول التحدث معهم لكنهم أخذوا الطفل وابتعدوا. ثم جاء فرد من الشرطة واتهمني بإلقاء الحجارة، واعتقلني ووضعني في عربة "جيب" مع الصبي. قيدوا يديّ، لكنهم لم يقيدوه. كنت أحاول تهدئته، إذ كان يبكي ويشعر بفزع كبير.

اقتادت الشرطة أحمد ومحمد ح. إلى مستوطنة إسرائيلية قريبة، هي بيت أوروت، ومنها إلى مخفر بشارع صلاح الدين، قرب البلدة القديمة. وقال نضال، والد أحمد، إنه علم بالاعتقال من ابنة أحد أقاربه، التي شهدته:

لم نكن نعلم إلى أين أخذوه. بحثت عنه بكل مكان، أولا في نقطة شرطة في المنطقة، ثم المخفر بشارع صلاح الدين، ثم في بيت أوروت. أدخلوني وقلت لأحد أفراد الشرطة في المستوطنة إنني أريد رؤيته، لكنه قال: "من الذي أدخلك؟ سنأخذه من هنا لاستجوابه".

وقال أحمد ومحمد ح.، اللذين أجريت معهما المقابلات كل على حدة، إن الشرطة احتجزتهما لمدة ساعة تقريباً وكان أفرادها يصيحون فيهما بعبارات بذيئة في بيت أوروت، لكنهم لم يضربوهما.

وقال أحمد إن الشرطة في مخفر شارع صلاح الدين جردت محمد ح. من ثيابه. وقال: "كنا في نفس الغرفة. جردوه من كل شيء، حتى الملابس الداخلية".

واستعاد محمد ح.:

طلبت منهم حل القيود عن يديّ، لأنها كانت تمزق معصمي وكانت يدي قد ازرقت. فأمرني فرد الشرطة بمواجهة الحائط. وكان الصبي بجواري، وجردوني من ثيابي كلها وفتشوني ذاتياً. ثم أعادوا إلباسي ثيابي وبدأوا في ضربي على ساقيّ ودفعي بإزاء الحائط. طلب القائد من أفراد الشرطة أن يتوقفوا، حتى لا يتلفوا الجدار، فأبعدوني عن الجدار وبدأوا في صفعي.

قامت الشرطة باستجواب أحمد ومحمد ح. على حدة في الطابق الثالث من مخفر الشرطة، كما قال كل منهما. وقال نضال، والد أحمد، إن الشرطة رفضت السماح له بدخول المخفر. فاتصل نضال بوالده "كي يحضر للمخفر، فسمحت له الشرطة بالدخول من الباب الأمامي، لكنهم لم يدخلوه للاستجواب" كما قال نضال.

وأثناء الاستجواب، قال أحمد إنه اعترف بإلقاء حجر. وقال: "طلبوا مني الإدلاء بأسماء جميع الأطفال الذين كانوا معي ويلقون بالحجارة". وبحسب أحمد، لم تهدده الشرطة أو تعتدي عليه أثناء الاستجواب، لكن أفرادها أخفقوا في إخطاره بحقه في التزام الصمت (الحق الذي تكفله له الإجراءات العسكرية الإسرائيلية) أو بقدرته على الاتصال بأبويه. وأفرجت الشرطة عنه بدون اتهاكات بعد استجوابه لمدة ساعة.

وقال محمد ح. إن الشرطة نقلته إلى مقر الاحتجاز في الموسكوبية، و"صفعه أفرادها وسبوه" في العربة على الطريق إلى هناك. احتجز محمد ح. طوال الليل ثم أفرج عنه بدون اتهامات.

وقالت ميرفت، والدة أحمد، إن ابنها رفض التكلم عن اعتقاله واستجوابه. "قال لنا أخصائي نفسي بالمدرسة أن نحاول التحدث معه عن الأمر، لكنه لا يريد".

وقال أحمد: "أنا خائف من الشرطة. كلما رأيتهم أعبر إلى الجهة الأخرى من الشارع أو أستدير عائداً".

وقال والدا أحمد، وآخرون من سكان المنطقة، وطلبة آخرون لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الإسرائيلية، بما فيها الشرطة وشرطة الحدود، كانوا متواجدين كل يوم تقريباً أمام المدارس بالشارع الرئيسي في تل الطور، ويشمل هذا مدرسة خالد راشد، بينما يذهب الطلبة لحضور الدروس في الصباح ومع الانصراف بعد الظهر. وقال السكان والطلبة إن وجود قوات الأمن الإسرائيلية غير ضروري، ويستفز الطلبة. وقال أحد العاملين بالمدرسة الذي طلب حجب اسمه: "لا يلقي الطلبة بالحجارة أو يفعلون شيئاً إذا لم تكن الشرطة موجودة. وعليهم التوقف عن إرسال الشرطة للتسكع أمام بوابات المدارس".

وقد تكرر قيام الشرطة باعتقال طلبة لإلقاء الحجارة على عرباتهم الواقفة أمام مدخل المدرسة، كما قال أحمد، بما في ذلك اثنين من الطلبة الـ30 الذين يضمهم فصله. وقد قدم آباء لأطفال آخرين بالمدرسة، وأعضاء بلجان الآباء، تم إجراء المقابلات معهم على حدة، قدموا روايات متسقة عن وجود الشرطة عند المدرسة، ورددوا وقائع قامت فيها قوات الأمن الإسرائيلية بإطلاق الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية على الطلبة، في أكثر الأحيان في معرض إلقاء الحجارة، ولكن الطلبة وآباءهم يزعمون أيضاً عدم وجود مبرر في بعض الحالات.

محمد الخطيب، 12 سنة

اعتقلت الشرطة الإسرائيلية محمد الخطيب، 12 سنة، في نحو الساعة 12:15 بعد ظهر 8 ديسمبر/كانون الأول 2014، من محطة للحافلات في شارع السلطان سليمان بالقدس الشرقية، حيث كان ينتظر حافلة يعود بها بعد المدرسة إلى منزله في مخيم شعفاط للاجئين:

كنت مع أربعة من الأصدقاء من فصلي، وكانت سيارة للشرطة على مقربة. وقام أفراد من الشرطة بقمصان زرقاء بالسير جيئة وذهاباً أمامنا عدة مرات. لم يقذفهم أحد بالحجارة، ولا صاح فيهم، ولا أي شيء. ثم اقترب أحدهم وأمسك بمؤخرة سترتي ورفعني من على الأرض. كنت أختنق. وكنت قد اشتريت عبوة عصير، لكنهم ألقوا بها بعيداً ووضعوني في السيارة.

وقال والده رامي، مصور الفيديو الصحفي، إنه كان يصور بمكان قريب عند بوابة دمشق بالبلدة القديمة، حينما تلقى مكالمة تقول إن محمد اعتقل. "فهرعت إلى محطة الحافلات وهم ما يزالون هناك. وقال أحد أفراد الشرطة أن شخصاً ألقى بالحجارة والمشتبه به يرتدي قميصاً أزرق، لكن الجميع في مدرسة [محمد] يرتدون القمصان الزرقاء، فهذا زي المدرسة".

أخذت الشرطة محمد إلى مخفر شارع صلاح الدين، حيث رفضوا طلباته المتكررة لاستخدام المرحاض "لمدة ساعة على الأقل" كما قال محمد. "ورن هاتفي، فلم تسمح لي الشرطة بالرد. وظلت أمي تتصل وأفراد الشرطة يهددون بضربي إذا رددت. كانوا ثلاثة في مخفر الشرطة، يرتدون أزياء سوداء، وركلوني وصفعوني".

وقال والد محمد إنه تتبع سيارة الشرطة التي نقلت محمد إلى المخفر وطلب رؤية ابنه، لكن الشرطة رفضت، فانتظر بالخارج. وقال محمد إنه سأل أحد الضباط عن مكان أبيه، "فقال الضابط إن [أبي] غادر المكان، وإنه لا يهتم بي وإنني سأقضي شهرين في السجن". أخذ محمد إلى الطابق الثالث من المخفر للاستجواب، كما قال. وفي نحو السابعة مساءً، نقلت الشرطة محمد إلى مقر الاحتجاز بالموسكوبية. وقال رامي: "اتصل بي أحد المحققين وقال لي أن أحضر، لكن عند وصولي كانوا قد شرعوا في استجوابه بالفعل. كنت قد أحضرت له طعاماً لكنهم [الشرطة] رفضوا السماح لي بإدخاله".

وأخيراً سمح المحققون لرامي بحضور الاستجواب، كما قال. وقال محمد ووالده على السواء إنه أنكر إلقاء الحجارة، وإنهما وقعا على أقوال بالعبرية، اللغة التي لا يجيدان قراءتها، قبل أن تفرج الشرطة عن محمد بدون اتهامات في نحو الثامنة مساءً. وقال رامي: "قال المحقق إنهم أثبتوا في الأقوال تعرض محمد للضرب. ولم نحصل على نسخة منها".

وقالت والدة محمد إنه لزم المنزل في اليوم التالي. "كان خائفاً عند عودته إلى البيت، ولم يستطع النوم في تلك الليلة. وقال لي إن كل ساعة مرت عليه مع الشرطة كانت كعُمر كامل".

وقال رامي إن الشرطة تحرشت به وضربته في واقعة منفصلة في مايو/أيار 2014 بينما كان يصور احتجاجات فلسطينية قرب بوابة دمشق "لأنني صحت بهم عندما اعتدوا على سيدة كفيفة" كانت تشارك في المظاهرة، وإنه أصيب بطلقة معدنية مكسوة بالمطاط في مؤخر الرأس في مناسبة أخرى. ولاحظت هيومن رايتس ووتش ندوباً على جسم رامي تتفق مع روايته، وشاهدت صوراً فوتوغرافية لجرح رأسه ومقطع فيديو لاعتقاله.

ملك الخطيب، 14 سنة

اعتقلت قوات إسرائيلية ملك الخطيب، 14 سنة، قرب قرية بيتين في الضفة الغربية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2014، كما قال أبواها. وقالت خولة، والدة ملك، لـ هيومن رايتس ووتش إن ابنتها قالت إن "أربعة جنود ضربوها بشيء يشبه الهراوة" أثناء الاعتقال حتى فقدت الوعي. وقالت خولة: "بينما كانت على الأرض ركلوها ووطأ أحد الجنود عنقها"، مضيفة أن الجنود عصبوا عينيها بعد ذلك وواصلوا استخدام العنف ضدها في رحلة السيارة إلى المخفر. ولم تقم السلطات الإسرائيلية بإخطار والدي ملك بالاعتقال، كما قالا.

وقال أبوها، علي، لـ هيومن رايتس ووتش: "كان لديها امتحان نهائي صباح ذلك اليوم، في اللغة الإنجليزية، وظننا أنها ذهبت للتمشية كالمعتاد بعد الامتحانات. ثم اتصل مجلس قرية بيتين ليبلغنا باعتقالها، لكن بدون أن يعرف أحد إلى أين أخذت" :

أخذنا سيارة أجرة إلى مخفر بنيامين [في إحدى مستوطنات الضفة الغربية] لأنه المكان الذي يأخذون إليه الصغار عادة، في العاشرة صباحاً. وانتظرنا نحو 3 ساعات، ثم رآنا نقيب وقال لنا: "لقد اعترفت ابنتكما بإلقاء الحجارة وبأنها كانت تحمل سكيناً". وأخيراً تمكننا من رؤيتها في الثانية عصراً. وكانت تبدو شاحبة. لم تسنح لنا فرصة التحدث معها على انفراد. كان المحقق في الغرفة، وقال لها: "لقد فعلت كذا وكذا وكيت، فهل هذا صحيح؟" وانتهى الأمر في 5 دقائق. ثم أمرنا الضابط بالانصراف.

وقالت ملك لأمها إن المحقق ظل يصيح بها لمدة ساعتين لكي تعترف، وخبط بيده على المنضدة، وهدد باستدعاء أمها وأختها واعتقال أبيها، كما قالت خولة. وكان الاعتراف الذي وقعت عليه ملك مكتوباً بالعبرية، لكن حين طلبت ملك ترجمته أو إخبارها بمعناه قال المحقق إن عليها فقط أن توقع حتى تتسنى لها العودة إلى أبويها، كما قالت خولة.

وفي 14 يناير/كانون الثاني توصل محامي ملك إلى اتفاق تفاوضي مع النيابة العسكرية، اعترفت ملك بمقتضاه بإلقاء الحجارة في طريق 60، وهو من الطرق الرئيسية القريبة من بيتين ويستخدمه المستوطنون الإسرائيليون، وحصلت على حكم بالسجن لمدة شهرين، إضافة إلى 3 سنوات مع وقف التنفيذ. ودفعت أسرتها غرامة قدرها 6000 شيكل (1560 دولار أمريكي).

لم تستطع هيومن رايتس ووتش أن تحدد ما إذا كانت ملك الخطيب قد ألقت بالحجارة على سيارات متحركة على طريق سريع، وهو تصرف ظاهر الخطورة حتى إذا ارتكبه طفل. لكن السلطات الإسرائيلية انتهكت القانون الدولي برفضها السماح لأبويها بحضور استجوابها، وخالفت القانون العسكري الإسرائيلي بإخفاقها في إخطار أبويها بالاعتقال أو السماح لها بالتشاور معهما أو مع محام قبل الاستجواب. وكان على المحكمة العسكرية أن توبخ المحقق وأن توضح عدم قبولها للاعتراف، الذي كان مكتوباً بلغة لا تفهمها، كدليل في القضية.

كما انتهكت السلطات الإسرائيلية اتفاقية جنيف الرابعة بنقل ملك، وهي فلسطينية مقيمة بأرض محتلة، إلى خارج الضفة الغربية واحتجازها في إسرائيل. وقد قامت محكمة إسرائيل العليا في 2010 بتأييد هذه الممارسة، على أساس أن "التشريعات الإسرائيلية تجبّ نصوص القانون الدولي"، مع أنه من المبادئ الأساسية للقانون الدولي أن الدول لا يجوز لها أن تستخدم أحكام قوانينها الوطنية لتبرير عدم الامتثال لمعاهدات القانون الدولي التي هي طرف فيها، وعليها أن تضمن توافق قوانينها الوطنية مع المعايير الدولية الملزمة لها. وتعمل اتفاقية جنيف الرابعة في مادتها الأولى على إلزام جميع الدول الأطراف، بما فيها إسرائيل، بـ"احترام وضمان احترام هذه الاتفاقية في جميع الظروف".

ومع ذلك فقد وجدت المحكمة أن الممارسة الإسرائيلية المتمثلة في هذه الحالة في نقل محتجزين من أراض محتلة إلى إسرائيل "لا تمس البنود الأساسية للقانون الدولي" وأنها مبررة عند النظر إلى ظروف الموقف، بما في ذلك التجاور الجغرافي بين إسرائيل والأراضي المحتلة. ويرد الفلسطينيون بأن هذا النقل يضر بحقوقهم رغم التجاور الجغرافي، حيث أنهم ممنوعون من دخول إسرائيل لزيارة أقاربهم المحتجزين، كما تبرهن حالة ملك. فقد عجز والدا ملك، اللذان يحملان وثائق هوية من الضفة الغربية لا تسمح لهما بدخول إسرائيل، عن رؤيتها في الاحتجاز من 31 ديسمبر/كانون الأول وحتى الإفراج عنها في 12 فبراير/شباط، إلا أثناء جلسات المحاكمة الخمس بقاعدة عوفير العسكرية ومجمع المحاكم بها، حيث منعا من التحدث إليها.

وقالت والدة ملك: "في جلسات المحاكمة في عوفير، كان يؤتى بها مقيدة اليدين. وفي إحدى المرات كان هناك صبي معها في القفص، في نحو الخامسة عشرة، [مقيد اليدين] بدوره. بل إننا عجزنا عن الاتصال بها هاتفياً وهي في السجن".

خالد الشيخ، 15 سنة

اعتقل جنود إسرائيليون خالد الشيخ في نحو الثالثة من عصر 25 ديسمبر/كانون الأول 2014، قرب الجدار العازل على أطراف قرية بيت عنان بالضفة الغربية، للاشتباه في إلقائه للحجارة وإشعال النار في إطار سيارة. قال خالد لـ هيومن رايتس ووتش إن المنطقة شهدت مظاهرة في اليوم السابق، لكنها كانت هادئة في ذلك اليوم. وكان يتمشى مع صديق له في منطقة يتردد عليها سكان بيت عنان لتمتعها بإطلالة تتجاوز الجدار العازل إلى البحر، كما قال خالد، حينما ضربه جندي إسرائيلي من الخلف ببندقية ففقد الوعي.

وقال خالد: "أفقت لأجد يديّ مقيدتين خلف ظهري. ولم أستطع أن أرى، إذ كانت عيناي معصوبتين وكنت على الأرض". وقد اطلعت هيومن رايتس ووتش على تقرير طبي يرجع إلى أسبوعين قبل اعتقال خالد ويشير إلى إصابته بفقر الدم، الحالة التي اكتشفت بعد العديد من نوبات الإغماء. وقال خالد إن صديقه تمكن من الفرار.

قال خالد لـ هيومن رايتس ووتش إنه أخذ بعد ذلك إلى ما يعتقد، استناداً إلى ما سمعه من أصوات، أنه قاعدة عسكرية. وقال: "تم وضعي على مقعد بجوار درج، وكان الجنود يضربونني في صعودهم ونزولهم طوال ساعات وجودي هناك الـ12 [على ما يبدو]". ثم أخذ إلى مخفر بنيامين قرب رام الله، حيث أزالت الشرطة العصابة عن عينه، كما قال:

أحاط بي المحققون وقال لي أحدهم أن أعترف بإلقاء الحجارة وإحراق الإطار. فقلت لهم إنني لم أفعل ذلك، وكنت أتمشى فقط. فقال إن هناك سبعة جنود من شهود العيان في مقابلي، ومن ثم فسوف أدان ويزج بي في السجن مهما قلت. وهددوني بالضرب إذا لم أعترف، وخبط أحدهم على المنضدة. ثم ناولوني ورقة بها 3 سطور بالعربية والبقية بالعبرية. كانت السطور العربية تقول إن من حقي استشارة محام وإنني سوف أحاكم، وقالوا لي أن أوقع عليها ففعلت. وبعد هذا أحضروا 3 صفحات أخرى بالعبرية وقالوا إنها نفس الشيء فوقعت عليها. واكتشفت في المحكمة فيما بعد إنهم جعلوني أوقع على اعتراف.

وقال حسام، والد خالد، إن صديقاً له كان قد شهد الاعتقال وأخبره بما حدث، لكنه لم يعرف إلى أين أخذه الجيش. وفي الواحدة صباحاً ذهب حسام، كما قال، إلى مخفر بنيامين باقتراح من صديق، وبعد الانتظار لمدة حوالي ساعة رأى ابنه. "كان مقيد اليدين وكانت على وجهه دماء. كانت الدماء على جبهته، وكان هناك ورم على مؤخر رأسه، وكدمة أخرى بعظمة وجنته. وكانت ظاهرة في جلسة المحكمة أيضاً"، كما قال.

لم تتمكن عائلة خالد من رؤيته إلا أثناء جلسات المحكمة الخمس، لكنهم حتى في ذلك الوقت عجزوا عن التحدث معه أو لمسه. وشعر حسام بالجزع لأن القاضي العسكري ظل يرفض طلب المحامي للسماح لخالد بتناول أدوية علاج فقر الدم، رغم سجله الطبي، ولم يبدأ مسؤولو السجن في إعطائه أدويته إلا في الأسابيع الأخيرة لاحتجازه، بحسب محامي خالد، ومع ذلك فقد أصر خالد على أنه لم يتناول سوى الأكامول، وهو مسكّن شائع الاستخدام.

وقد قال أكرم سمارة، محامي خالد، لـ هيومن رايتس ووتش إنه وافق على اتفاق تفاوضي بالحبس لمدة 4 شهور بدلاً من مواجهة احتمال السجن لمدة 8 شهور عند الإدانة، لأن الجيش زعم أن الجنود سيشهدون ضد خالد في المحاكمة. كما حكمت عليه المحكمة بغرامة قدرها 2000 شيكل (520 دولار أمريكي). وتم الإفراج عن خالد في 14 أبريل/نيسان 2015 قبل 10 أيام من استكمال مدة العقوبة.

فارس الشيوخي، 15 سنة

اعتقلت الشرطة الإسرائيلية فارس الشيوخي، 15 سنة، من حي سلوان بالقدس الشرقية في الرابعة من مساء 6 مارس/آذار 2014، للاشتباه في إلقائه للحجارة وزجاجات المولوتوف على مستوطنة في الحي. وقد استجابت لواحظ، والدة فارس، لاستدعاء وأخذته إلى مقر الاحتجاز بالموسكوبية، حيث تم اعتقاله كما قالت. "قالوا إنني إذا لم أحضره فسوف يحضرونه بطريقتهم، مما يعني مداهمة المنزل. فأخذته إلى هناك، لكنهم لم يسمحوا لي بالدخول معه".

وقال فارس:

فور دخولي فتشوني ذاتياً ثم وضعوا القيود في يديّ. كانوا سبعة من أفراد الشرطة، وقالوا: "إذا لم تتكلم سنضربك". ورفضت، فلكموني وركلوني. لمدة حوالي 5 دقائق. ثم أخذوني إلى زنزانة حتى عصر اليوم التالي، مع 3 شباب آخرين في عمر الـ16 والـ17 عاماً. ثم قال المحقق إن عليّ التوقيع على 3 أوراق، بالعبرية. ولم أستطع قراءتها، لكنني لم أتردد.

أخذت الشرطة فارس إلى جلسة بمحكمة القدس، حيث قام أحد القضاة بتمديد احتجازه لـ 3 أيام أخرى، كما قالت أمه. وقال فارس: "أعادوني مباشرة للاستجواب بعد هذا، وقيدوا يديّ من أمامي وقيدوا ساقيّ بالمقعد. كان هناك محقق واحد هذه المرة، وقد صفعني عدة مرات وقال لي ‘أعطني بعض الأسماء [لأشخاص ألقوا بالحجارة] وسوف أقف في صفك‘. لم يخبرني قط بالجريمة التي يشتبه في ارتكابي لها".

وأعادت الشرطة فارس إلى زنزانته، حيث ظل حتى منتصف الليل، حين تم إيقاظه واستجوابه للمرة الثالثة، كما قال: "أرادوا مني الاعتراف بإلقاء المولوتوف، لكنني لم أفعل. واستبقوني حتى الثانية صباحاً ثم اعترفت". وبعد جلسة ثانية في المحكمة وما يصل مجموعه إلى 27 يوماً من الاحتجاز، تم نقل فارس إلى سجن هاشارون، داخل إسرائيل، ثم الإفراج عنه تحت الإقامة الجبرية في 2 أبريل/نيسان، كما قال أبواه.

وقالت لواحظ: "كان عليه الذهاب إلى المحكمة كل أسبوعين، وكانوا يمددون إقامته الجبرية باستمرار". وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول تأخر فارس على جلسة محكمة في التاسعة صباحاً، فاعتقل عند وصوله، وتم سجنه واحتجازه حتى 6 يناير/كانون الثاني، كما قالت والدته. والتقى فارس لبرهة وجيزة بملك الخطيب، ابنة الـ14 عاماً من بيتين، حينما اقتادتهما الشرطة معاً من سجن هاشارون إلى جلستيهما المنفصلتين في المحكمة، بحسب قوله.

وقالت أمه إن فارس أخبرها في فبراير/شباط بأنه يريد قتل نفسه بسبب الإقامة الجبرية. "كنت قلقة وقلت هذا لمحامينا، من نادي السجناء، فرتب مع المحكمة أمر رفع الإقامة الجبرية عن فارس في أيام الأحد والثلاثاء والخميس من الثانية إلى الرابعة عصراً. وكان عليَ أن أضمن للمحكمة أنه لن يخالف تلك الشروط". وفي 6 مارس/آذار وعدت بدفع ضمانة قدرها 10 آلاف شيكل (2600 دولار أمريكي).

وفي 29 مارس/آذار أدانت المحكمة فارس على أساس اعترافه وشهادة ثلاثة صبية آخرين من الحي، كلهم دون الخامسة عشرة، كما قالت عائلته. وغرمته المحكمة ألفي شيكل (520 دولار أمريكي) ورفعت عنه الإقامة الجبرية بعد احتساب الوقت المنقضي من عقوبة الـ100 يوم الموقعة عليه. ومع ذلك ففي 20 أبريل/نيسان قام جنود إسرائيليون بإعادة اعتقال فارس في البلدة القديمة بالقدس لخرق إقامته الجبرية. وأفرجوا عنه بعد أخذه إلى المخفر واكتشاف رفع إقامته الجبريه.

وفي 1 مايو/أيار عاود جنود إسرائيليون اعتقال فارس بينما كان يقف أمام منزله، واعتدوا عليه بالضرب بحسب لواحظ. وقد حاولت التدخل، كما قالت، لكن الجنود أطلقوا القنابل الصوتية على ساقيها. وقالت إنها قضت 3 أيام في المستشفى للتعافي من صدمة الواقعة، وكانت مصابة بارتفاع خطير في ضغط الدم كما تعرضت لنوبة قلبية في ديسمبر/كانون الأول 2014.

وكانت شروط إقامة فارس الجبرية تجعل ذهابه إلى المدرسة مستحيلاً، حيث كان في الصف الثامن. وقال فارس لـ هيومن رايتس ووتش أثناء إقامته الجبرية: "على الأقل كان بوسعي الدراسة في السجن. لكن أبويّ هما حراس سجني الآن". في البداية فرح فارس برفع الإقامة الجبرية عنه، كما قالت لواحظ، لكنه "صدم" من الاعتقالين اللاحقين، وهو الآن "يرفض مغادرة المنزل لأنه يخشى أن يعود الجنود للتحرش به واعتقاله".

وقد سبقت إدانة أشقاء فارس الثلاثة الأكبر جميعاً بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف وهم حالياً في السجن. وقال والدا فارس إن القوات الإسرائيلية داهمت المنزل في سلوان 6 مرات بين 6 و19 مارس/آذار 2014، لاعتقال أبنائهما الثلاثة الأكبر. وقالت لواحظ: "اعتقل علي، الأكبر، لأول مرة حين كان عمره 13 عاماً. وهذه ثالث مرة له في السجن لإلقاء الحجارة". واعتقلت ابنتها الكبرى، سعاد، في 2006، لإلقاء الحجارة. ودفعت الأسرة غرامات مجموعها 8800 شيكل (2290 دولار أمريكي) على خلفية تلك الاعتقالات. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة