Skip to main content

(موسكو) - في تقرير مصحوب بفيديو نشرته اليوم، قالت "هيومن رايتس ووتش" إن 9 شهور من البحث كشفت عن بعض القصص الإنسانية وراء أكثر من 28 ألف صورة لمتوفين في معتقلات حكومية سُربت من سوريا، ونشرت علنا للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2014.

تقرير "لو تكلم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية" -من 63 صفحة- يقدم أدلة جديدة بشأن صحة ما صار يعرف بصور قيصر، ويحدد هوية عدد من الضحايا، ويسلط الضوء على بعض الأسباب الرئيسة لوفاتهم. عثرت هيومن رايتس ووتش على 33 من أقارب وأصدقاء 27 ضحية تحقق باحثون من حالاتهم؛ و37 معتقلا سابقا رأوا أشخاصا يموتون في المعتقلات؛ و4 منشقين عملوا في المعتقلات الحكومية أو المستشفيات العسكرية السورية حيث التُقط معظم هذه الصور، وأجرت مقابلات معهم. باستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات تحديد الموقع الجغرافي، تأكدت هيومن رايتس ووتش أن بعض صور الموتى التُقطت في فناء المشفى 601 العسكري في المزة في دمشق.

قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قد يكون كل معتقل في هذه الصور ولد أو زوج أو صديق لأحد ما، قضى أصدقاؤه وعائلته شهورا أو سنوات في البحث عنه. حققنا في دقة عشرات الحالات والشهادات، وواثقون أن صور قيصر تقدم دليلا موثقا -ودامغا- على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا".

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول التي تجتمع بشأن مفاوضات السلام المحتمل في سوريا- بما فيها روسيا أكبر داعم للحكومة السورية- أن تعطي الأولوية لمصير آلاف المعتقلين في سوريا. على الدول المعنية أن تصر على منح الحكومة السورية مراقبين دوليين حق الوصول الفوري إلى كل مراكز الاعتقال، وأن تكف أجهزة المخابرات السورية عن إخفاء المعتقلين قسرا وتعذيبهم.

في أغسطس/آب 2013، سرّب عسكري منشق لُقّب بـ قيصر 53275 صورة إلى خارج سوريا. تلقت هيومن رايتس ووتش القائمة الكاملة لهذه الصور من "الحركة الوطنية السورية"- تنظيم سياسي مناوئ للحكومة السورية- التي استلمت هذه الصور من قيصر. يركز التقرير على 28707 صور، واستنادا إلى كل المعلومات المتاحة، فهي تظهر ما لا يقل عن 6786 معتقلا ماتوا إما في المعتقلات، أو بعد نقلهم من المعتقلات إلى مستشفى عسكري. الصور الأخرى لمواقع هجمات أو جثث معرفة بالاسم لجنود حكوميين، أو مقاتلين آخرين، أو لمدنيين قتلوا في هجمات أو حوادث تفجير، أو محاولات اغتيال.

معظم الضحايا الــ6786 في صور قيصر اعتقلتهم 5 فروع لأجهزة مخابرات فقط في دمشق، أرسلت جثثهم إلى ما لا يقل عن مستشفيَين عسكريَّين في دمشق بين مايو/أيار 2011- حين بدأ قيصر نسخ ملفات الصور وتسريبها إلى خارج مقر عمله- وأغسطس/آب 2013، حين فر من سوريا. وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" توقيف واحتجاز أكثر من 117 ألف شخص في سوريا منذ مارس/آذار 2011.

وجدت "هيومن رايتس ووتش" أدلة على تفشي التعذيب والتجويع والضرب، والأمراض في مراكز الاعتقال الحكومية السورية. تعرف باحثون على 27 شخصا ظهروا في الصور ووثقوا القبض عليهم من جانب أجهزة المخابرات السورية، وفي بعض الحالات وثقوا سوء معاملتهم وتعذيبهم في المعتقلات. جمع الباحثون روايات العائلات عن كيفية إلقاء القبض على أقاربها وقارنوا العلامات التعريفية والندوب والوشوم، وسعوا للحصول على أدلة من معتقلين سابقين كانوا محتجزين مع الضحايا في الوقت نفسه وربما في الزنزانة نفسها. قارنوا هذه البيانات بالمعلومات التي تضمنتها أسماء الملفات التي جمعها قيصر، والمعلومات التي ظهرت على البطاقات البيضاء الموضوعة على أجساد الضحايا في كل صورة، لتحديد هويتهم. لم تكن عمليات التحقق جنائية (عن طريق الطب الشرعي) أو قانونية، لكن هيومن رايتس ووتش لم تدرج في التقرير إلا الحالات التي تحققت منها عبر مصادر متعددة.

من الضحايا الذين حُددت هويتهم صبي كان في الـ 14 من عمره وقت القبض عليه، وامرأة في العشرينات. قالت أسر أو أقارب الضحايا الـ 27 إنهم قضوا شهورا أو أعواما في البحث عن أخبار أعزائهم، وفي حالات عديدة دفعوا مبالغ مالية كبيرة لمعارف ووسطاء يعملون في العديد من الهيئات الحكومية وأجهزة المخابرات. لم تتسلم إلا أسرتان فقط شهادتي وفاة، ذكرتا أن المتوفى مات بأزمة قلبية أو فشل تنفسي. ولم تتلق أية أسرة جثة قريبها لدفنها.

عرضت هيومن رايتس ووتش مجموعة جزئية من الصور، تظهر 19 ضحية، على فريق من الأطباء الشرعيين من "أطباء من أجل حقوق الإنسان". حلل الفريق الصور للاستدلال على آثار إيذاء جسدي، والعثور على أدلة على سبب الوفاة. وجد الخبراء أدلة على عدة أشكال من التعذيب والتجويع والخنق والرض العنيف. في إحدى الحالات وجدوا دليلا على طلق ناري في الرأس، واستنتجوا أن الرصاصة أطلقت من مدى قريب.

المعتقلون السابقون الذين احتُجزوا حيث كان معظم ضحايا قيصر، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن الحراس وضعوهم في زنازين شديدة الاكتظاظ تكاد تخلو من التهوية، وأعطوهم طعاما قليلا إلى حد أنه أصابهم الضعف، وغالبا ما حرموهم من فرصة الاغتسال. تفشت الأمراض الجلدية وغيرها من الإصابات المعدية. قال معتقلون إن الحراس حرموهم من الحصول على الرعاية الطبية الملائمة.

قال حوري: "لا يساورنا الشك في أن من ظهروا في صور قيصر جُوِّعوا وضُربوا وعُذِّبوا بطريقة منهجية، وعلى نطاق جماعي. هذه الصور لا تمثل إلا شريحة ضئيلة ممن ماتوا في عهدة الحكومة السورية؛ الآلاف غيرهم يعانون من المصير ذاته".

استعان باحثو هيومن رايتس ووتش بصور الأقمار الصناعية وتقنيات تحديد المواقع الجغرافية وأدلة قدمها منشقون من مستشفيَين عسكريَين، لتأكيد مكان التقاط الصور والتعرف على نظام ترميز البطاقات التي توضع على الجثث.

قال حوري: "سجلت الحكومة هذه الوفيات، مجهِّزة عشرات الجثث معا، بينما لم تتخذ أي إجراء للتحقيق في سبب الوفاة أو حتى منع وفاة المزيد من المحتجزين. على من يدفعون من أجل السلام في سوريا أن يكفلوا وقف هذه الجرائم، وفي نهاية المطاف محاسبة المشرفين على هذه المنظومة عن جرائمهم".

قالت هيومن رايتس ووتش إنه إضافة إلى منح مراقبين دوليين حق الوصول الفوري لجميع مراكز الاحتجاز، على الحكومة السورية الإفراج عن كل السجناء السياسيين والمعتقلين تعسفيا. ثمة مسؤولية خاصة على عاتق روسيا وإيران، الداعمين الأساسيين للحكومة السورية، للضغط على سوريا كي تمنح فورا ودون عوائق، مراقبين دوليين معترف بهم لظروف الاحتجاز، قدرة الوصول إلى هذه المراكز.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول الأعضاء في "المجموعة الدولية لدعم سوريا"، التي تجتمع في فيينا لدفع عملية سلام في هذا البلد، أن تدعم الجهود للمحاسبة عن الانتهاكات واسعة النطاق التي ارتكبتها الأطراف كافة في سوريا، ورفض مقترحات منح الحصانة لأي متورط في جرائم خطيرة. كحد أدنى في أي عملية انتقالية في سوريا، تطالب هيومن رايتس ووتش باستبعاد الأفراد الذين تتوفر ضدهم أدلة مقنعة على التورط في التعذيب وغيره من الجرائم الخطيرة، من مواقع القيادة في منظومة الاحتجاز.

قال حوري: "أخبرنا العديد من المعتقلين السابقين الذين احتجزوا في هذه الظروف المرعبة أنهم غالبا ما تمنوا الموت بدلا من استمرار معاناتهم. توسلوا الدول الساعية إلى دفع عملية سلام أن تبذل كل ما في وسعها لمساعدة من لا يزالون محتجزين في سوريا".

عينة من اللمحات عن الضحايا:

أحمد المسلماني (طفل)، ضحية من الصور

في 2 أغسطس/آب 2012، عندما كان أحمد في الـ 14 من عمره، رجع إلى سوريا من لبنان، حيث أرسلته عائلته خوفا على أمنه. سافر للمشاركة في جنازة والدته، في حافلة صغيرة مع 5 آخرين.

عند إحدى نقاط التفتيش، أخذ ضابط هواتف المسافرين، فوجد أغنية مناوئة للأسد في هاتف أحمد. أخذ الضابط أحمد إلى غرفة صغيرة عند نقطة التفتيش، حسب ما قال زميله المسافر لأسرته بعد يوم من الواقعة. واصل بقية الركاب رحلتهم في الحافلة الصغيرة من دونه.

عمل ضاحي المسلماني، عم أحمد، قاضيا لمدة 20 عاما قبل أن يفر من البلاد في مارس/آذار 2013. قال ضاحي لـ هيومن رايتس ووتش إنه ذهب لرؤية العديد من المسؤولين الحكوميين بعد اختفاء أحمد. علم أن أحمد من المرجح أن يكون معتقلا من قبل المخابرات الجوية، ودفع أكثر من 14 ألف دولار أمريكي رشى في محاولة لتأمين الإفراج عنه، دون جدوى. أخيرا فر ضاحي إلى الأردن بعد أن أخبره أفراد في الأسرة أنه مطلوب القبض عليه.

حين نُشرت صور قيصر، بحث فيها ضاحي عن صورة أحمد:

"فتحت مباشرة ملف المخابرات الجوية، ووجدته. (انهار وهو يتحدث). كانت صدمة. ياهَ! كانت صدمة حياتي أن أراه هنا. بحثت عنه 950 يوما. كنت أعد كل يوم. قالت لي والدته وهي تحتضر: أتركه في حمايتك. أي حماية أقدمها؟".

رحاب العلاوي، ضحية من الصور

رحاب العلاوي، من سكان دمشق وتنحدر من دير الزور، كانت تدرس الهندسة في جامعة دمشق قبل اندلاع الانتفاضة في سوريا. صورتها كانت الوحيدة لامرأة من بين صور قيصر لجثث المعتقلين.

كانت رحاب تبلغ نحو 25 عاما حين أوقفتها "سرية المداهمات"، وهي وحدة خاصة في الشرطة العسكرية في 17 يناير/كانون الثاني 2013. عملت رحاب في إحدى اللجان التنسيق المحلية في دمشق- شبكات موسعة من النشطاء- تساعد النازحين الذي فروا من حمص.

بعد القبض عليها، سعت الأسرة للحصول على معلومات عنها من خلال معارف من المسؤولين في الحكومة السورية. دفعت الأسرة أكثر من 18 ألف دولار أمريكي لمسؤولين شتى في الجيش وأجهزة الأمن السورية، للحصول على معلومات عن رحاب وتأمين الإفراج عنها، لكن محاولاتها لم تنجح.

قالت معتقلة سابقة تدعى هنادي لـ هيومن رايتس ووتش إنها اعتُقلت مع رحاب لأكثر من 3 أسابيع في فرع المخابرات العسكرية 215.

قالت هنادي: "قضينا 24 يوما معا في الزنزانة، بجوار بعضنا البعض. حدثتني عن أبويها. كانت تريد رؤيتهما. كما تحدثت عن أشقائها وشقيقاتها، كانت خائفة على أسرتها".

نُقلت هنادي إلى سجن عدرا بعد 3 أسابيع ونصف. لم تر رحاب ثانية قط.

في مارس/آذار 2015، بعد نشر صور قيصر على الإنترنت، اتصل أحد أبناء عمومتها بالأسرة واستفسر إن كانت صورة رحاب من بين تلك المسربة. قال ابن العم: "إنها تشبه رحاب تماما".

تعرفت الأسرة على رحاب، لكن مع ذلك طلبت من معتقلات سابقات رأينها في السجن أن يؤكدن أن الصورة لها، لأن مظهرها تغير كثيرا خلال الاعتقال.

قالت هنادي:

ذات يوم اتصل شقيقها بي وسألني إن كانت صورة رحاب من بين الصور التي نشرت... تعرفت على البيجاما التي كانت ترتديها، وعلى وجهها. حتى شكل أصابع قدميها كان كما هو.

اقتباسات معتقلين سابقين في مركز فيه العديد من ضحايا صور قيصر:

"إذا التقطتَّ صورا للمعتقلين الآن، لرأيت أناسا يشبهون أولئك الذين في صور قيصر، في ما عدا أنهم على قيد الحياة... محظوظون أولئك الذين ماتوا".

– د. سامي، معتقل سابق في الفرع 215.

"عندما دخلت الزنزانة، شخص ما عرفني. عندما رفع رأسه، (رأيت) أسنانه مكسورة. كان هزيلا جدا. كان شعره خفيفا وقصيرا. قلت: هل تعرفني؟ قال: نعم، أنا ابن أخيك محمد. أنا الذي أعمل في السوبر ماركت المجاور لعيادتك. بدأ بالبكاء. قال إنه لم ير نفسه، منذ اعتقل قبل 10 شهور ونصف".

– د. كريم مأمون، معتقل سابق في الفرع 215

اقتباسات من أقوال منشقين:

"أعرف هذا المكان، من الصور، حجرا حجرا وطوبة طوبة. عشت هناك على مدار 24 ساعة في اليوم. كان عليّ أن أحمل (الجثث) بنفسي".

– سليمان علي (اسم مستعار)، مجند سابق عمل في المشفى "601" العسكري

حين تصل الجثث تسأل (الطبيبة الشرعية وهي أيضا ضابطة جيش) عن عدد الجثث الموجودة. ثم تطلب (من المجندين) لف الجثث. تعطي كل جثة رقما ثالثا على ضمادة. تكتب في السجل: رقم المعتقل، ورقم الفرع، ورقم المشفى (رقم الفحص). ثم يضعون الجثث في البراد (المشرحة)".

– فهد المحمود (اسم مستعار)، منشق من الجيش خدم في مشفى حرستا العسكري في منطقة دمشق وشهد تسجيل الجثث

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة