Skip to main content

الولايات المتحدة ترحّل عراقيين ليست لديهم وثائق

يواجه المرحّلون بالإكراه خطر الاعتقال والتعذيب في العراق

متظاهرون يتجمعون أمام المحكمة الاتحادية قبيل دعوى جماعية لصالح عراقيين يواجهون الترحيل، ديترويت، ميتشيغان، الولايات المتحدة، ٢١ يونيو/حزيران ٢٠١٧.   © 2017 رويترز/ربيكا كوك

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الأمريكية رحّلت 30 شخصا على الأقل إلى العراق من أصل 1,400 من أصول عراقية، مع تهديد بعضهم بالسجن لفترات طويلة في حال عدم موافقتهم على الترحيل. في جميع الحالات التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، يفتقر المبعدون لوثائق هوية صالحة، ما يعرضهم لخطر الاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة في العراق.

قبل "حظر السفر" الذي أصدره الرئيس ترامب في يناير/كانون الثاني 2017، لم تكن الحكومة العراقية تقبل أي مواطن مُعاد قسرا. لكن بعد فترة وجيزة من الحظر، الذي منع مواطني 7 دول ذات غالبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة، ومنها العراق، وافق العراق على استقبال طائرة صغيرة تضم مبعدين وعلى تسهيل ترحيلهم. أزال البيت الأبيض لاحقا العراق من القائمة.

قالت لما فقيه، نائبة المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "أي شخص يعيش في العراق بلا وثائق هوية عراقية صالحة عرضة للاعتقال التعسفي وسوء المعاملة. على "وكالة إنفاذ الهجرة والجمارك الأمريكية" وقف جميع عمليات ترحيل العراقيين حتى تحصل على ضمانات بعدم تعرضهم للاعتقال وسوء المعاملة. على العراق ضمان منح جميع المبعدين العراقيين وثائق هوية عراقية صحيحة قبل عودتهم".

في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2018، قابلت هيومن رايتس ووتش 6 رجال رُحِّلوا إلى العراق بين مايو/أيار وأغسطس/آب. قال 3 منهم إن عناصر وكالة إنفاذ الهجرة والجمارك (الوكالة) والممثلين القنصليين العراقيين اتصلوا بهم خلال احتجازهم لدى إدارة الهجرة، وهددوهم بالسجن لسنوات إن لم يوقعوا على الأوراق العراقية بالموافقة على الإبعاد. قال اثنان إن عنصرَيْ الوكالة اللذين رافقاهما من الولايات المتحدة إلى البحرين كرّرا تهديدات فضفاضة في حال المماطلة في العودة، وأجبراهما على التوقيع على وثائق لا تزال طبيعتها غير واضحة.

قال رجل عمره 26 عاما إنه، قبل أن يستقل طائرته من البحرين إلى بغداد، طالبه العنصران من الوكالة اللذان كانا يرافقانه من الولايات المتحدة بتوقيع وثيقة. بحسب ما يذكر، قال له أحد العنصرين: "إذا لم توقع على الأوراق، سنرسل إيميل إلى الحكومة العراقية ونبلغهم عن نوع الجرائم التي ارتكبتها وكيف رحّلناك، ستسجن هناك والله أعلم إلى متى سيبقونك. في السجن، سيشاهدون رجلا لديه وشم مثل هذا وسوف يغتصبونك".

رحّلت الوكالة شخصا واحدا على الأقل في انتهاك لأمر محكمة صدر في أغسطس/آب وفقا "للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية" (الاتحاد)، الذي يتفاوض على عودة هذا الشخص إلى الولايات المتحدة.

بعد موافقة العراق على استقبال المبعدين، اعتقلت الوكالة أكثر من 300 عراقي واحتجزتهم. أُمروا بالرحيل رغم إقامة العديد منهم بصورة قانونية في الولايات المتحدة لعقود وامتلاكهم روابط عائلية ومجتمعية واسعة هناك.

وثقت هيومن رايتس ووتش لفترة طويلة عدم أخذ نظام الهجرة الأمريكي بالاعتبار العلاقات الأسرية والعلاقات طويلة الأمد الأخرى في قرارات الترحيل. أُمر البعض بالمغادرة لإدانات جنائية، بما فيها جرائم وجنح قديمة. بموجب القانون الأمريكي، يمكن ترحيل حتى من يحمل إقامة دائمة شرعية لدى ارتكابه واحدة من طيف واسع من المخالفات، حتى البسيطة منها كحيازة الماريجوانا. أُمر آخرون بالمغادرة لمخالفات الهجرة، مثل تجاوز مدة التأشيرة. يواجه 1,100 عراقي إضافي تقريبا لم يُعتقلوا احتمال الاعتقال والترحيل. وفقا للاتحاد، أبعدت الوكالة 30 شخصا على الأقل من بين أكثر من 1,400 عراقي صدرت أوامر بترحيلهم.

رفع الاتحاد دعوى قضائية جماعية، واستصدر أمرا قضائيا أوليا في 24 يوليو/تموز 2017 بتعليق ترحيل نحو 300 عراقي على امتداد البلاد. تبين مستندات أُفرج عنها مؤخرا في دعوى الاتحاد أن الوكالة، في معارضتها الإفراج عن المعتقلين، قدمت معلومات مضللة بالقول إن العراق مستعد لاستقبالهم. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، قضت المحكمة بأن الوكالة قدّمت أدلة "زائفة بشكل ظاهر" لإبقاء العراقيين محبوسين. وأمرت المحكمة بأنه ما لم يتم إبعادهم من قبل الوكالة بحلول 20 ديسمبر/كانون الأول أو في حال وجود ظروف استثنائية أخرى، يجب الإفراج عنهم. أُفرج عن العديد من المعتقلين في أواخر ديسمبر/كانون الأول، لكنهم ما زالوا عرضة لخطر الترحيل في المستقبل.  

أقر جوزيف دارو، محامٍ عن الوكالة، في 24 أكتوبر/تشرين الأول في المحكمة بأن هناك اتفاقا بين الولايات المتحدة والعراق لترحيل جميع المواطنين العراقيين الحاصلين على أوامر إبعاد، وهم حوالي 1,400 شخص، كثيرون منهم لا يريد العودة.

تدرس دول أخرى أيضا ترحيل العراقيين. في أواخر ديسمبر/كانون الأول، نقلت وسائل إعلام عراقية أن هولندا قد بدأت بترحيل العراقيين إلى العراق، بدءا بأسرة لم تتمكن من تقديم أي وثائق صالحة عند وصولها إلى أربيل. وقد أعربت دول أخرى، منها ألمانيا، عزمها فعل الشيء نفسه.

الأشخاص الذين لا يحملون وثائق هوية أو أوراق سفر من المرجح أن يتم احتجازهم إذا أُوقفوا عند نقطة تفتيش. هذا يعرضهم لخطر الاحتجاز والتعذيب، وهو أمر منتشر في مراكز الاحتجاز العراقية.

كتبت هيومن رايتس ووتش إلى محمد طاهر الملهم، مدير مكتب حقوق الإنسان في المجلس الاستشاري لرئيس الوزراء العراقي، في 12 ديسمبر/كانون الأول، تستفسر عن موقف العراق من العودة القسرية.  سألت هيومن رايتس ووتش عما إذا كانت الحكومة تتخذ أي خطوات لمنع موظفيها القنصليين في الولايات المتحدة من إجبار العراقيين على العودة بتهديدهم بالحبس لسنوات، وما إذا كان الموظفون القنصليون يصدرون وثائق صالحة للعائدين ويضمنون عدم احتجازهم. لم تتلق هيومن رايتس ووتش ردا.

كتبت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى رون فيتييلّو، القائم بأعمال مدير الوكالة، في 17 ديسمبر/كانون الأول، تستفسر عن الخطوات التي تتخذها الوكالة لضمان عدم قيام عناصرها بإجبار العراقيين على العودة إلى العراق بتهديدهم بالسجن لسنوات، وعدم قيامها بترحيل العراقيين ما لم يحصلوا على هوية عراقية صحيحة من العراق. لم تتلق ردا.

إذا أراد الناس العودة، ينبغي للسلطات العراقية أن تصدر لهم وثائق مدنية كاملة لضمان قدرتهم على العودة والعيش في البلاد بأمان. وإلى أن تكون السلطات العراقية مستعدة للقيام بذلك، على السلطات الأمريكية إطلاق سراح معتقلي الهجرة العراقيين. ينبغي للسلطات العراقية والأمريكية التحقيق في ادعاءات المسؤولين عن الإكراه ومعاقبة العراقيين ليوافقوا على العودة إلى العراق، واتخاذ تدابير لإنهاء جميع الإجراءات القسرية.

ينبغي للسلطات العراقية اتخاذ تدابير لضمان عدم إخضاع العائدين للاحتجاز التلقائي، وتمكينهم من مغادرة المطار والتحرك بحرية في مختلف أنحاء البلاد.

قالت فقيه: "القانون الدولي واضح؛ لا يمكن إعادة أي فرد إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر التعذيب. من المخزي استخدام المسؤولين الأمريكيين التهديدات والترهيب لإجبار العراقيين على العودة في ظروف كهذه".

إفادات المرحَّلين

وفقا للاتحاد، أجبر عناصر الوكالة 7 معتقلين على الأقل على التوقيع على أوراق عراقية تقول إنهم موافقون على ترحيلهم إلى العراق تحت التهديد بمقاضاة جنائية أو السجن لسنوات. قال رجل عمره 44 عاما إنه في أوائل 2018، بعد قضاء عام ونصف تقريبا محتجزا لدى سلطات الهجرة، قال له عنصر في الوكالة: "لن يُطلق سراحك مطلقا، ستبقى في السجن لفترة طويلة".

قال أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن موظفين قنصليين عراقيين كرروا هذه التهديدات لدفعهم إلى توقيع الأوراق. قال الرجل البالغ من العمر 44 عاما إنه ما انتهى الاجتماع مع عنصر الوكالة، زاره ممثل قنصلي عراقي في الحجز وأخبره أنه إن لم يوقع الوثيقة التي تنص على استعداده للعودة إلى العراق، سيبقى في السجن بين 15 و20 عاما.  

قال رجل آخر عمره 37 عاما لـ هيومن رايتس ووتش إنه في مايو/أيار، زاره ممثل قنصلي عراقي في السجن وسأله: "هل تريد العودة إلى العراق، أو البقاء هنا في السجن إلى الأبد؟" وقع الوثيقة التي وافقت على عودته. قال الرجل البالغ من العمر 26 عاما إنه، في سبتمبر/أيلول 2018، زاره ممثل قنصلي عراقي أثناء احتجازه وأخبره أن عليه التوقيع على وثيقة يوافق فيها على العودة إلى العراق، وإنه إذا لم يفعل ذلك فسيُنظر إليه على أنه يرفض الالتزام بإجراءات الهجرة، ما سيؤدى إلى عقوبة السجن 20 سنة.

رحّلت الوكالة أحد هؤلاء بطريقة غير شرعية، منتهكة أمر تعليق الترحيل. أبلغت الوكالة المحكمة أنه في 15 قضية أخرى على الأقل، رفض المحتجزون الموافقة على العودة، لكن أصدرت وزارة الخارجية العراقية لهم وثيقة سفر باتجاه واحد، وتعالج الوكالة أوراقهم بغرض ترحيلهم.

أفاد الاتحاد أن عديدين لا يزالون في الولايات المتحدة أفادوا أنهم واجهوا الإكراه، بما في ذلك تهديدات كاذبة بالملاحقة القضائية، والتوبيخ إذا رفضوا التوقيع. أمر القاضي الذي يتولى القضية الوكالة مرارا بحظر مضايقة وإكراه المحتجزين العراقيين.

قال قريب رجل أُعيد إلى العراق في ديسمبر/كانون الأول لـ هيومن رايتس ووتش إنه رفض توقيع أوراق القبول ولكنه أعيد قسرا.

عرض الرجال الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أمام الباحثين وثيقة التعريف الوحيدة التي أصدرتها وزارة الخارجية العراقية لتسهيل عودتهم، وهي وثيقة سفر دون عودة. الوثيقة صالحة لعودة واحدة إلى العراق. لكن السلطات في العراق لا تعترف بصحة الوثيقة، لذا لا يمكن استخدامه للسفر داخل العراق للحصول على وثائق مدنية صحيحة.

ليس من المعروف عدد من يفتقرون إلى وثائق الهوية العراقية من بين العراقيين الـ 1,400 في الولايات المتحدة المعرضين للترحيل. لكن كان هذا أحد الأسباب التي دفعت العراق في السابق إلى رفض عمليات الترحيل، وتقريبا جميع الـ 300 الذين احتجزتهم الوكالة يفتقرون إلى وثائق هوية عراقية صحيحة، ما يجعل من المحتمل عدم امتلاك جزء من العراقيين البالغ عددهم 1,400 هذه الوثائق.

قال كل واحد من الرجال الذين تمت مقابلتهم إن عناصر الأمن احتجزوهم واستجوبوهم لمدة تصل إلى 24 ساعة عندما وصلوا إلى مطارات بغداد وأربيل والنجف، ليطلق سراحهم في النهاية ويسلموا إلى أقاربهم. قالوا إنهم كانوا خائفين من السفر على الطرق العراقية بلا أي وثائق صحيحة، وكانوا يحاولون رشوة المسؤولين للحصول على وثائق هوية سارية المفعول.

لكن بعد مرور أشهر، تمكن اثنان فقط من الحصول على بطاقة هوية وطنية عراقية، وهي وثيقة مهمة للسفر بأمان على أي طريق في البلاد أو الحصول على أي خدمة أو استخدام أي مرفق حكومي. قالوا إنهم يحاولون تفادي الظهور العلني ويقضون معظم وقتهم في المنزل خوفا من الاعتقال.

قال الستة جميعهم إن وضعهم أفضل من البقية، لتمكنهم من إيجاد أشخاص يكفلونهم لمغادرة المطار. لكنهم قالوا إن الآخرين الذين التقوا بهم في الولايات المتحدة ممن لا أصدقاء أو عائلات لديهم في العراق قد يعانون أكثر. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من العثور على أشخاص آخرين رُحِّلوا إلى العراق لمعرفة ظروفهم.

هناك حالات موثقة لقيام قوات الأمن العراقية عند نقاط التفتيش باعتقال من تشتبه في انتمائه إلى تنظيم "داعش"، وأحيانا لمجرد عدم حيازته وثائق. يمكن أن تستمر هذه الاعتقالات حتى سنة بلا تهمة أو محاكمة أو إمكانية الوصول إلى محام أو الاتصال بأفراد العائلة، وفي ظروف مزرية يستخدم فيها المحققون غالبا التعذيب كأسلوب استجواب. ذُكرت هذه الانتهاكات في تقرير الولايات المتحدة السنوي عن حقوق الإنسان.

قال رجل عمره 33 عاما، يعيش في بلدة صغيرة في العراق، إنه لم يستطع الحصول على بطاقة هوية صالحة:

إلى أن أحصل عليها، لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان خارج منزلي، هناك نقاط تفتيش في كل مكان. خرجت إلى السوق المحلي قبل بضعة أيام، لكني رأيت فجأة بعض العناصر يوقفون الناس ويتفقدون بطاقات هويتهم، لذا ركضت إلى المنزل ولم أغادر منذ ذلك الحين. أنا خائف للغاية. لكن بصراحة، وضعي لا بأس به، على الأقل أنا أتكلم العربية بعض الشيء وأهلي هنا. لا أستطيع حتى أن أتخيل ما يحدث لبعض الشباب الآخرين الذين تتم إعادتهم، وهم دون عائلة، ولا يجيدون العربية.

يلاحظ الناس أنني من الخارج، واكتشف البعض أنني من أمريكا. أشعر بعدم الأمان. لو كنت أعرف أن حياتي ستكون في خطر لفضلت البقاء في 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.