Skip to main content

كيف يمكن أن يؤثر "كورونا" على أزمة المناخ

نُشر في: Foreign Policy In Focus

 

يتم التداول على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم لصور مُلتقطة بالأقمار الصناعية تُظهر انخفاضا كبيرا في تلوّث الهواء في بؤر انتشار فيروس "كورونا" حول العالم، ما يعطي بعض الأمل  في قضية مقلقة جدا. لكن تلك الصور تذكرنا أيضا بأن أزمة المناخ ستعود حين ينتهي الوباء العالمي.

حالما يُرفَع الإغلاق وتعود الحياة إلى ما كانت عليه، سيعود معها التلوّث الهائل وغازات الدفيئة التي تتسبب بالاحتباس الحراري العالمي؛ وربما أسوأ.

في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية – الناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري )مثل النفط، والغاز، والفحم الحجري( وإنتاج الأسمنت – بنسبة 1.4% لتعود وترتفع بعدها بنسبة 5.9% في 2010. إذا أُعيقت الجهود العالمية للتصدي لتغيّر المناخ، قد يكون للأزمة هذه المرة تأثير أطول أمدا على البيئة، بتكلفة أكبر بكثير على صحة الإنسان وأمنه وحياته.

مداخن محطة توليد طاقة تعمل على الفحم الحجري في ألمانيا يمكن رؤيتها قبل الفجر. AP Images

كان يُفترض بهذه السنة أن تكون "مصيرية" في جهود مواجهة تغيّر المناخ، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في إحاطة صحفية مؤخرا بشأن قمة الأمم المتحدة السنوية للمناخ، والتي كان من المقرر عقدها في غلاسكو في نوفمبر/تشرين الأول.

كان من المتوقع أن تطرح 196 دولة خططها المُحدثة للوفاء بأهداف خفض الانبعاثات المحددة بموجب "اتفاقية باريس لعام 2015" قبيل القمة. لكن الأمم المتحدة أعلنت في الأول من أبريل/نيسان، وفي مواجهة تفشي فيروس كورونا، تأجيلها القمة إلى وقت لاحق من العام المقبل.

يمثّل ما سبق أحدث مؤشر على أن الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ باتت آخر ضحايا فيروس "كورونا". عُلِّقت أيضا الاجتماعات الدولية الأخرى المتصلة بالمناخ – مثل تلك الخاصة بالتنوّع البيولوجي والمحيطات. بينما لم تكن الحاجة إلى حشد جهود الحكومات لمعالجة قضايا المناخ أكثر إلحاحا مما هي عليه الآن، سيزيد الأمر صعوبة العجز عن جمع قادة العالم لمعالجة هذه القضية.

أزمة فيروس كورونا ستهدّد أيضا الجهود المحلية للوفاء بالالتزامات المناخية التي تم التعهد بها بالفعل.

خضع "الاتحاد الأوروبي" لضغوط من أجل تأجيل مبادرات مناخية مهمة، مع دعوة بولندا إلى تعليق برنامج "مقايضة انبعاثات الكربون"، ودعوة جمهورية التشيك إلى التخلي عن مشروع قانون المناخ التاريخي للاتحاد. ضغطت شركات الطيران أيضا على الجهات الناظمة لتأخير سياسات خفض الانبعاثات. أعلنت الصين بالفعل عن تأخيرات مماثلة، ومدّدت المواعيد النهائية الممنوحة للشركات للوفاء بالمعايير البيئية، وأجّلت مناقصة متعلقة بالحق في بناء العديد من مزارع الطاقة الشمسية الضخمة.

في الولايات المتحدة، قالت "وكالة حماية البيئة" إنها لن تعاقب الشركات التي لا تمتثل لمتطلبات المراقبة أو الإبلاغ الفدرالية إذا كان بإمكانها أن تعزو عدم امتثالها إلى الوباء العالمي، وذلك بعد أن التمس لوبي نفطي قوي من إدارة ترامب تخفيف تطبيق القانون. أعلنت الوكالة مؤخرا عن تراجعها أيضا عن قواعد بشأن انبعاثات السيارات والتي كانت جزءا أساسيا من جهود الولايات المتحدة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة.

في البرازيل، أعلنت "وكالة البيئة الفيدرالية" أنها قلصت من واجبات الإنفاذ الخاصة بها، والتي تشمل حماية غابات الأمازون من عمليات إزالة الأشجار المتسارعة والتي قد تؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من غازات الدفيئة المخزنة في واحدة من أهم بالوعات الكربون في العالم.

الحكومات لديها التزامات حقوقية بحماية الناس من الضرر البيئي، بما يشمل التصدي لتغيّر المناخ.

قد يكون لديها ربما أسباب وجيهة للتخفيف مؤقتا من تطبيق بعض القواعد البيئية لانشغالها باحتواء الوباء وإنقاذ اقتصاداتها. لكن قد تتسبب هذه الإجراءات بأضرار دائمة إذا ما استُخدمت لمتابعة الأجندات الأوسع المناهضة للبيئة لقادة مثل الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والبرازيلي جايير بولسونارو، اللذين يعارضان الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ.

التأثير الحقيقي لأزمة فيروس كورونا على المناخ قد يعتمد في نهاية المطاف على خيارات الحكومات في سعيها لتشكيل اقتصاداتها بعد الأزمة؛ وبخاصة إلى أي مدى ستستمر في الاعتماد على الوقود الأحفوري. سيتطلب تحقيق الهدف الأساسي لاتفاقية باريس المتمثّل في الحد من الاحترار العالمي تقليل هذا الاعتماد.

هنا قد تقدم الأزمة بعض أسباب الأمل.

الكثير من الجهود المبذولة لاحتواء التداعيات الاقتصادية للوباء قد تمثّل فرصة لتسريع التحوّل إلى بدائل طاقة أنظف، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. قد تشمل الخيارات ضمان أن تعطي برامج التحفيز الاقتصادي الأولوية للاستثمار في الطاقة النظيفة، أو ربط المساعدات للشركات بتخفيضات جذرية في انبعاثاتها، خاصة في القطاعات كثيفة الكربون. بالمثل، قد تتطلّب عمليات إنقاذ القطاع المالي من البنوك الاستثمار بشكل أقل في الوقود الأحفوري وأكثر في التخفيف من آثار تغير المناخ وجهود بناء القدرة على الصمود.

في الولايات المتحدة، ضغط "الديمقراطيون" في "الكونغرس" من أجل إجراءات مشابهة خلال المفاوضات الخاصة بحزمة التحفيز الأخيرة. ردا على ذلك، هدد الرئيس ترامب باستخدام الفيتو، حيث غرّد: "لا يتعلق الأمر بـ"الصفقة الخضراء الجديدة" السخيفة". لم تحظَ الإجراءات المقترحة بموافقة، رغم تمكّن الديمقراطيين من حجب 3 مليارات دولار طلبها "الجمهوريون" لشراء النفط للاحتياطي الاستراتيجي.

في أوروبا، آفاق التحفيز الأخضر واعدة أكثر. استجابة لدعوة أحد القادة الأوروبيين إلى التخلي عن التدابير المناخية، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بحزم: "بينما ينصبّ تركيزنا الفوري على مكافحة فيروس كورونا، يستمر عملنا على تقديم الصفقة الأوروبية الخضراء. أزمة المناخ ما زالت حقيقة وتتطلب اهتمامنا وجهدنا المستمرين".

بينما تواجه الحكومات في الأسابيع والأشهر القادمة مهمة إعادة إطلاق اقتصاداتها، سيستمر النضال من أجل التأكد من أن حماية حقوق الإنسان والالتزامات المتعلقة بالمناخ لن تكون ضمن الأضرار الجانبية للاستجابة لفيروس كورونا في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأماكن أخرى. ستحدد النتيجة قدرتنا ورغبتنا في تخفيف ما يهدد بأن يكون كارثة عالمية أكبر بكثير حتى من الوباء المتفشي.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة