Skip to main content

لبنان: مقتل متظاهر في طرابلس

جرح أعداد من المتظاهرين. يجب محاسبة القوى الأمنية

متظاهِرة مناهضة للحكومة تحمل العلم اللبناني بمواجهة شرطة مكافحة الشغب خلال مظاهرة احتجاجا على تدهور الأزمة الاقتصادية، بيروت، لبنان، الثلاثاء 28 أبريل/نيسان 2020.    © 2020 أسوشيتد برس/حسين الملا
 

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن "الجيش اللبناني" استخدم القوة المفرطة غير المبررة، بما فيها القوة القاتلة في 27 أبريل/نيسان، ما أدى إلى مقتل متظاهر وسقوط مصابين عدة. أعرب الجيش اللبناني عن "أسفه" لمقتل المتظاهر وقال إنه فتح تحقيقا في الحادث.

ليل 27 أبريل/نيسان، خرج مئات المتظاهرين إلى ساحة النور في طرابلس، كاسرين الحَجْر المنزلي بسبب فيروس كورونا، احتجاجا على تدهور معيشتهم في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان. عمد عشرات المتظاهرين إلى حرق وتكسير المصارف، وأضرموا النيران في آلية تابعة للجيش، ورموا الحجارة والمفرقعات على الجيش، الذي استخدم الرصاص الحي والمطاطي، والغاز المسيل للدموع ضدهم.

قالت آية مجذوب، باحثة شؤون لبنان والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "طرابلس إحدى أفقر مدن لبنان، والحكومة اللبنانية لم تضمن حق الناس بالحصول على الطعام وضروريات الحياة الأخرى. استخدام الجيش للقوة القاتلة فاقم الوضع وقَتَل شابا كان يطالب بحقوقه".

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة الالتزام بواجباتها وإجراء تحقيق فعلي – مستقل، وشفاف، ويحقق في مسار العملية كاملة، بما في ذلك دور الضباط الكبار. وعليها نشر نتائج التحقيق وإجراءات المحاسبة، بما يشمل المسؤولية الجرمية.

يعيش لبنان أشد أزمة اقتصادية منذ عقود، تضاف إليها إجراءات الحجر المنزلي لمكافحة انتشار فيروس كورونا. هَوَت قيمة الليرة اللبنانية مؤدية إلى تضخم، سيبلغ نحو 27% بحسب تقديرات وزارة المالية. فرضت المصارف قيودا على سحب الأموال بالدولار أو تحويلها إلى الخارج من حسابات المودعين. في بداية أبريل/نيسان، حذّرت هيومن رايتس ووتش من خطر الجوع الذي يخيّم على أكثر من نصف سكان لبنان إن لم تنفذ الحكومة خطة متينة للمساعدات.

طرابلس هي ثاني مدن لبنان من حيث عدد السكان ومن أفقرها. قدّر "البنك الدولي" في 2017 أن 53% من الأشخاص في سن العمل في طرابلس عاطلون عن العمل.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أربعة متظاهرين شهدوا العنف في 27 أبريل/نيسان، وصحفي كان قد وثّق الاشتباكات، كما راجعت فيديوهات عن الأحداث. ليس بإمكان هيومن رايتس ووتش التأكد باستقلالية من مصداقية الشهادات أو الفيديوهات.

قال الشهود إن مئات المتظاهرين – منهم نساء، وأطفال، ومسنّون – خرجوا إلى ساحة النور في طرابلس عند الساعة 9 مساء بعد صلاة العِشاء، لتنظيم مسيرة إلى منازل النواب احتجاجا على الوضع الاقتصادي المزري الذي أدى، بحسب قولهم، إلى تجويع العديد من سكان طرابلس.

قال شاهدان إن بمجرد وصول المحتجين إلى منزل فيصل كرامة، نائب مستقل عن طرابلس، أطلق مرافقوه الرصاص الحي في الهواء، بينما بدأ الجيش بضربهم، وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي عليهم – ردّ بعضهم برمي الحجارة على الجيش.

قال الشهود إنهم عادوا إلى ساحة النور ليجدوا أن الجيش ضرب المتظاهرين وأطلق الغاز المسيل للدموع بدون تمييز. قال أحدهم: "رأيت الناس تتساقط من حولي". قال آخر إنه عندما وصل، الساعة 9:30 مساء، رأى مصابين عدة على الأرض، "توجهتُ إلى منتصف الساحة لمساعدة المصابين ونقلهم، غير أن الجيش لم يحترم ذلك واستمر بإطلاق النار".

قام بعض المتظاهرين بتخريب المصارف وإضرام النيران فيها بينما قام آخرون برمي الحجارة على الجيش لإخراجه من ساحة النور. راجعت هيومن رايتس ووتش فيديوهات تُظهر المحتجين وهم يحطمون واجهة "البنك اللبناني الفرنسي" في ساحة النور وإضرام النيران فيه. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا فيديوهات لبعض المحتجين وهم يرمون الحجارة على الجيش وزجاجات مولوتوف على آلية فارغة للجيش في ساحة النور، بينما كان الجنود يطلقون الرصاص المطاطي.

قال أحد المحتجين إنه بمجرد أن أضرم بعض المتظاهرين النيران بآلية الجيش، بدأ الجنود بإطلاق الرصاص الحي عليهم عشوائيا. قال الشهود الأربعة جميعهم إنهم رأوا الجيش يطلق الرصاص الحي في الهواء وفي اتجاه المتظاهرين، حتى عندما كانوا يفرون، ما أدى إلى إصابات خطيرة. قال الشهود إن عناصر الجيش طاردوا المتظاهرين في الشوارع المجاورة مطلقين النار عليهم. يظهر في الفيديو جنود يطلقون النار على متظاهر في رِجله وهو يهرب في شارع جانبي.

قال أحد الشهود إنه مع اشتداد العنف، توجّه مع مجموعة من 30 شخصا إلى عناصر الجيش رافعين أيديهم في الهواء، وطلب منهم شابٌ التوقف عن إطلاق النار. قال الشاهد إن جنديا أطلق رصاص مطاطية على صدر الشاب. راجعت هيومن رايتس ووتش فيديو لشاب ينزف بغزارة من صدره؛ قال الشاهد إن هذا هو الشاب الذي توجه إلى الجيش طالبا التوقف عن إطلاق النار. قال صحفي محلي إن حالة الشاب لا تزال حرجة.

توفي أحد المتظاهرين، فواز فؤاد السمان )26 عاما(، متأثرا بجراحه خلال الاشتباكات. قالت أسرته إنه توفي صباح 28 أبريل/نيسان متأثرا بإصابته بعدما أطلق عليه الجيش الرصاص الحي. قالت المحامية غيدا فرنجية، من المنظمة غير الحكومية اللبنانية "المفكرة القانونية"، إن المنظمة لم تتمكن من تأكيد إصابة السمان برصاص حي أو مطاطي، غير أن الأدلة الأولية تشير إلى استخدام الرصاص الحي.

لم ينفِ الجيش استخدام الرصاص الحي، لكنه أصر على أن الطلقات كانت في الهواء فقط. وأعربت قيادة الجيش عن "بالغ أسفها" لمقتل المتظاهر، وقالت إنها فتحت تحقيقا في الحادث. وأكدت على احترامها حرية التعبير شرط ألا يأخذ منحى "تخريبيا يطال المؤسسات العامة والخاصة". رفض متحدث باسم الجيش الإدلاء بتصريح إضافي لـ هيومن رايتس ووتش.

قال "الصليب الأحمر اللبناني" لوسيلة إعلامية محلية إن المنظمة داوت 22 مصابا في الميدان ونقلت 25 إلى المستشفيات المجاورة. قال الجيش إن 40 عنصرا أُصيبوا، بينهم ستة ضباط. وبحسب "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين"، وهي مجموعة محامين متطوعين، اعتقل الجيش تسعة متظاهرين.

تحقيقات الجيش اللبناني يجب أن تتسم بالفعالية والشفافية، أي أن تكون سريعة، وعادلة، ومستقلة عن الذين يتم التحقيق معهم، وأن تشارك فيها أسرة الشاب المقتول، وتتمكن من تحديد المسؤولين لمحاسبتهم. يجب نشر النتائج، كما على السلطات مقاضاة أي شخص يُظهر التحقيق أنه خالف القانون، بمن فيهم الضباط الكبار. يجب التعويض فورا على ضحايا الاستخدام غير القانوني للقوّة من قبل القوى الأمنية. على السلطات الإفراج عن جميع المحتجزين غير المتهمين بجريمة يمكن تحديدها.

الحكومة اللبنانية مُلزمة، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بحماية حرية التعبير والتجمع السلمي. مجرد المشاركة في مظاهرة، حتى لو لم تكن حاصلة على إذن، أو الانتقاد السلمي للحكومة لا يشكلان سببا للاعتقال بموجب القانون الدولي. على السلطات الإفراج عن جميع المحتجين الذين لم تُوجه إليهم تهم بجرائم يمكن تحديدها.

على القوى الأمنية اللبنانية المكلفة بإنفاذ القانون الالتزام الصارم بـ"قواعد الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة الناریة من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين". تحدد القواعد الأساسية واجبات الدولة في ظل القانون الدولي المتعلقة بحماية الحياة والأمن الجسدي. وتنص على ضرورة استخدام عناصر إنفاذ القانون الوسائل غير العنيفة قبل اللجوء إلى القوة.

عندما لا يمكن تجنب استخدام القوة، على القوى الأمنية أن ترد بطريقة متناسبة مع تهديد الحياة أو الإصابة الخطيرة. يجب ألا تُستخدم الأسلحة النارية لمجرد تفريق التجمعات. أما إذا تعذّر تجنب استخدام القوة لتفريق تظاهرة عنيفة، مثلا لحماية عناصر إنفاذ القانون أو غيرهم من العنف، فعلى القوى الأمنية أن تستخدم فقط الحد الأدنى من القوة الضرورية لاحتواء الوضع. استخدام الأسلحة القاتلة عن قصد مسموح فقط لحماية الحياة.

القواعد الأساسية تفرض أيضا على السلطات المباشَرة فورا بالإبلاغ وفتح تحقيقات بشأن الأحداث التي تقتل فيها القوى الأمنية أشخاصا أو تصيبهم بجراح باستخدام الأسلحة النارية، عبر إجراءات إدارية أو قضائية مستقلة.

قالت مجذوب: "الناس الذين يطالبون بالعيش بكرامة يتوقعون من الجيش اللبناني حمايتهم وليس مواجهتهم بالقوة القاتلة. مقتل المتظاهر يجب أن يدفع الجيش فورا إلى إعادة تقييم استراتيجيته وعملياته الأمنية، وتعزيز أنظمة المحاسبة التي يعتمدها".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة