Skip to main content

الفساد لا يقتصر على الرشاوى والهدايا

تأملات بمناسبة "اليوم الدولي لمكافحة الفساد"

توفي مؤخرا جيمس ولفنسون الذي كان رئيسا للبنك الدولي من 1995 إلى 2005. تمنحنا وفاته فرصة للتفكير في التقدم العالمي الذي أُحرِز في مجال مكافحة الفساد. شجب ولفنسون في خطاب له عام 1996 "سرطان الفساد" الذي كان موضوعا محرما آنذاك، وهذا مقياس للتقدم الذي أحرزناه ونحن نحتفل باليوم الدولي لمكافحة الفساد لهذا العام.

تُدرك الحكومات والمؤسسات المالية الدولية اليوم أن تكلفة الفساد باهظة، وقد طوّرت مع المدافعين عن الحوكمة الرشيدة، مجموعة أدوات متنامية لمكافحته. شهدت العقود الأخيرة تزايد المعايير العالمية مثل "مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية"، وقوانين جديدة للشفافية المالية والمؤسسية لمحاربة غسل الأموال، وشروطا أكثر صرامة لمكافحة الفساد تلازم المساعدات والإقراض، وابتكارات في مجال التحقيق في الفساد واسترداد الأصول المسروقة.

"اليوم الدولي لمكافحة الفساد". © VectorStock

مع ذلك، لا تزال المشكلة الأساسية التي تكمن وراء الفساد قائمة، ألا وهي النظم التي تسمح بالتحويل السلس للأصول العامة من عموم الناس إلى قلة قليلة. في الوقت نفسه، ازدادت أوجه التفاوت وعدم المساواة بشكل حاد في جميع أنحاء العالم.

أسباب هذا الأمر عديدة، لكن قد يكون تركيز مكافحة جهود مكافحة الفساد على بؤرة ضيقة من بين العوامل المساهمة فيه. انصب الكثير من جهود مكافحة الفساد على إساءة استخدام المناصب، والرشاوى والشركات الوهمية، والتضارب الصارخ في المصالح، وكلها أساليب تُحوّل بها الأموال العامة إلى حسابات خاصة. مع ذلك، فإن القوة التي تقع في صلب تقاطع السياسات مع والمصالح التجارية هي القدرة على تشكيل نظم قانونية واقتصادية تخدم قلة قليلة على حساب عامة الناس.

الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها لبنان خير مثال على ذلك. أعمال الفساد التي تنتهك القانون تعتبر مشكلة خطيرة، لكن السبب المباشر للأزمة الحالية كان شرعيا بامتياز وفاسدا على نحو مدهش. ما بدا وكأنه استمرار عجيب للاستقرار الاقتصادي كان في الواقع "مخطط بونزي"، حيث أغرت بنوك محلية مودعين أثرياء بمعدلات فائدة مرتفعة، ثم أقرضت ودائعهم إلى البنك المركزي اللبناني بمعدلات فائدة مرتفعة. جنى المودعون الأثرياء والبنوك أموالا طائلة من هذه العملية، إلى أن وقع الانهيار الحتمي بعدما نفدت أموال الحكومة وعجزت عن مواصلة تسديد الدين.

في غضون أشهر من الانهيار، استفحل الفقر والبطالة مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والضروريات الأخرى، وأصبح ثلاثة من كل أربعة أشخاص في لبنان بحاجة إلى المساعدة، بل يواجه العديد منهم المجاعة بالفعل.

هل الأرباح الضخمة التي جناها المودعون والمصرفيون اللبنانيون من هذا المخطط أموال غير مشروعة؟ عسانا نحتفل قريبا بيوم دولي لمكافحة الفساد تكون فيه كذلك.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة