Skip to main content

السعودية: الإصلاحات المُقترحة تتجاهل الحقوق الأساسية

القمع المستمر وغياب المجتمع المدني يعيقان التقدم

وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يظهر على لافتة إعلانية ضخمة على طريق ويست كرومويل، 7 مارس/آذار 2018، في لندن، إنغلترا. يقول الإعلان: "حامل التغيير إلى السعودية".  © ريتشارد بيكر/إن بكتشرز عبر غيتي إيمجز

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ السعودية أعلنت مؤخرا عن سلسلة من الإصلاحات المهمة والضرورية، لكنّ القمع المستمر وعدم احترام الحقوق الأساسية يشكلان عقبات رئيسية أمام التقدم. يقلّل قمع المجتمع المدني المستقل والأصوات الناقدة، التي يمكن أن تقدم ملاحظات موضوعية، من فرص نجاح جهود الإصلاح.

بينما أفرجت السلطات السعودية عن بعض المعارضين والنشطاء المحتجزين ظلما، بمَن فيهم الناشطتان في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول ونوف عبد العزيز، ما زالوا يخضعون لقيود تعيق قدرتهم على التعبير علنا ​​من دون خوف من الانتقام. لا يزال رجال دين بارزون، ومثقفون معروفون، وأكاديميون، ونشطاء حقوقيون معتقلين منذ 2017. يُظهر استهداف السلطات السعودية التعسفي والمنتهِك للمعارضين والناشطين، والغياب التام لمحاسبة المسؤولين عن الاعتقالات والتعذيب، أنّ سيادة القانون في السعودية ضعيفة، وأنّ القيادة السعودية تقوّضها متى شاءت.

قال مايكل بَيْج، نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "الإعلان عن الإصلاحات لا يوقف قمع السلطات بدون قيود ضد النشاط المدني، والذي يقوّض بشكل أساسي هذه الإجراءات. عندما تعاقب الحكومة بوحشية المواطنين والوافدين الذين يجرؤون على تقديم ملاحظات نقدية صادقة، لن تنجح في الترويج للإصلاحات المقترحة باعتبارها جهودا حقيقية لتحسين حياة الناس".

إصلاحات حقوق المرأة

في 8 فبراير/شباط، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن خطط لإدخال تغييرات مهمة على النظام القضائي في السعودية، بما في ذلك إصدار قانون الأحوال الشخصية (أو قانون الأسرة). في غياب قانون مدوّن للأسرة يفي بالمعايير الدولية، تواجه النساء في السعودية التمييز في الزواج والطلاق، والقرارات المتعلقة بالأطفال، بما في ذلك حضانة الأطفال، والميراث.

لم تُنشر بعد تفاصيل عملية الصياغة، وليس واضحا متى يُتوقع الانتهاء من القانون ودخوله حيز التنفيذ. مع ذلك، هناك مخاوف جدية من أنه، بدون المشاركة الفعالة للمدافعات/ين عن حقوق المرأة، يمكن ببساطة قوننة  ممارسة التمييز. كما أظهرت عمليات اعتماد قوانين الأسرة الجديدة في المنطقة، تشكّل حقوق المرأة ومشاركة المجتمع المدني أمرَيْن حاسمَيْن لضمان اعتماد قوانين تقدمية، ولنشر الوعي حولها والامتثال لها.

في 2019، أدخلت السعودية إصلاحات مهمة في مجال حقوق المرأة، منها رفع قيود السفر والسماح للمرأة السعودية بالقيادة، وتسجيل ولادة أطفالها، وتوفير حماية جديدة ضد التمييز في الوظيفة والتحرش الجنسي.

لكن، حتى مع الإعلان عن هذه الإصلاحات، لا تزال الناشطات اللواتي دافعن عنها قيد المحاكمة أو الاحتجاز. منذئذ، أُفرج مؤقتا عن الأغلبية، أو تمّت إدانتهنّ وإطلاق سراحهنّ المشروط. لكن، لا تزال نسيمة الصداح وسمر بدوي، ناشطتا حقوق المرأة البارزتان اللتان اعتُقلتا خلال حملة 2018 القمعية، وراء القضبان. في غياب مجموعات مستقلّة لحقوق المرأة لمراقبة تنفيذ هذه الإصلاحات، وفي ضوء الاعتقالات التعسفية وأحكام السجن المترتّبة على انتقاد الحكومة، من غير الواضح مدى فعالية تنفيذ هذه الإصلاحات.

كما أنّ الإصلاحات التي أُدخلت غير مكتملة. لا تزال النساء السعوديات بحاجة إلى موافقة ولي الأمر للزواج، أو الإفراج عنهن من السجن، أو الحصول على رعاية صحية جنسية وإنجابية معينة. لا يزال بإمكان الرجال رفع دعاوى ضد بناتهم، أو زوجاتهم، أو قريباتهم بتهمة "العقوق"، ما قد يؤدي إلى إعادتهن قسرا إلى منزل ولي أمرهن أو سجنهن.

إصلاح نظام الكفالة

في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلنت السلطات السعودية إصلاحات لنظام الكفالة سيئ السمعة، الذي يربط الوضع القانوني لملايين العمال الوافدين بالكفلاء، ويسهل سوء المعاملة والاستغلال، بما في ذلك العمل القسري. بحسب ما ورد، ستسمح الإصلاحات المحدودة للعامل/ة الوافد/ة بتغيير صاحب العمل في ظل بعض الظروف، وإلغاء شرط الحصول على إذن من أصحاب العمل – أو تصريح الخروج – لمغادرة البلاد.

تمّ الإعلان عن تفاصيل قليلة، لكنّ الإصلاحات ستبدأ في مارس/آذار 2021. لا تزال السعودية تمنع النقابات العمالية والإضرابات، ولم تتشاور السلطات مع مجموعات العمال الوافدين بشأن هذه الإصلاحات القادمة.

تمّ استبعاد 3.7 مليون عاملة وعامل منزليين، المستثنين أيضا من قانون العمل، من هذه التغييرات المتواضعة. تواجه كثيرات انتهاكات جسيمة، منها ساعات العمل الطويلة من دون يوم عطلة، والإقامة الجبرية، والاعتداء الجسدي والجنسي.

من المتوقّع إبقاء بعض عناصر الكفالة المسيئة. سيظل العمال الوافدون والأشخاص الذين يعيلونهم بحاجة إلى أصحاب العمل لتسهيل الدخول والإقامة والعمل في البلاد، بما في ذلك للحصول على تصاريح الإقامة والعمل وتجديدها.

سيظلّ أصحاب العمل قادرين على إلغاء هذه التصاريح، فيتركون العمّال من دون أوراق، علما أنهم لم يقترفوا أيّ ذنب. عندما لا ينفّذ أصحاب العمل مثل هذه الإجراءات، يدفع العمّال الثمن. سيظل العمال الوافدون أيضا بحاجة إلى إذن صاحب العمل لتغيير وظائفهم، إذا لم ينهوا عقدهم أو عملوا لأقل من عام. كما ستستمرّ الحكومة في فرض عقوبات قاسية على "الهروب" - ترك صاحب العمل من دون إذن أو البقاء في البلاد بعد فترة السماح المعقبة لانتهاء صلاحية تصريح الإقامة أو إلغائه. تشمل العقوبات الغرامات، والاحتجاز، والترحيل، ومنع العودة.

إصلاح العدالة الجنائية

تطبق السعودية الشريعة كقانون وطني لها. مع الافتقار إلى قانون عقوبات مكتوب أو لوائح محددة الصياغة، يمكن للقضاة والمدعين العامين إدانة الأشخاص بمجموعة واسعة من الجرائم بموجب تهم واسعة النطاق وشاملة، مثل "نقض البيعة مع ولي الأمر" أو "محاولة تشويه سمعة المملكة". عادة ما يواجه المعتقلون، بمَن فيهم الأطفال، الاعتقال التعسفي، والانتهاكات المنهجية للإجراءات القانونية الواجبة والحق في المحاكمة العادلة.

كجزء من إصلاحات العدالة التي أُعلن عنها في 8 فبراير/شباط 2021، يتم إعداد القانون الجزائي الأوّل المكتوب في البلاد لجرائم التعزير وقانون قائم على الإثبات، رغم عدم مشاركة المجتمع المدني على ما يبدو. قال ولي العهد إن الهدف من التغييرات هو "رفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية". لم تُنشر التفاصيل بعد، وليس واضحا مدى التزامها بالمعايير الدولية بعد. تحديدا، ثمّة مخاوف من إدراج العديد من التهم التعسفية كانتهاكات واسعة النطاق وشاملة تجرّم الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، من بين حقوق أخرى.

هذه ليست المرة الأولى التي يزعم فيها المسؤولون السعوديون أنهم يشرعون في تغييرات تهدف إلى زيادة استقلالية وفعالية النظام القانوني السعودي. في 2017، أصدر الملك سلمان مرسوما ملكيا بفصل "هيئة التحقيق والادعاء العام" عن وزارة الداخلية، وإعادة تأسيسها لتصبح "النيابة العامة"، وهي كيان "مستقل" تابع للملك مباشرة.

النيابة العامة السعودية أداة رئيسية للقمع، وقد استُخدمت ضد المعارضين السعوديين السلميين منذ 1988 بوسائل مختلفة، بما في ذلك المضايقة، واستدعاءات الاستجواب التي لا تُحصى، والاحتجاز التعسفي، والملاحقة القضائية في محاكمات جائرة بشكل صارخ بتهم ملفقة. تسارعت هذه الممارسات وازدادت بعد إعادة الهيكلة في المملكة في 2017.

أدخلت السعودية تغييرات مهمة على استخدامها للعقاب البدني وعقوبة الإعدام. في أبريل/نيسان 2020، أعلنت السلطات السعودية عن إنهاء الجَلد في بعض الجرائم، والتطبيق بأثر رجعي للتغيير القانوني لعام 2018 الذي يلغي عقوبة الإعدام لأطفال يُزعم ارتكابهم جرائم معينة. في يناير/كانون الثاني 2021، أعلنت "هيئة حقوق الإنسان" السعودية عن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات، قائلة إن ذلك له الفضل في تخفيض أحكام الإعدام بنسبة 85٪ في 2020. في فبراير/شباط 2021، أعلنت الهيئة أن القضاء السعودي قد أسقط أحكام الإعدام بحق ثلاثة رجال على خلفية جرائم تتعلق بالاحتجاج عندما كانوا أطفال.

أُدخلت الإصلاحات السابقة وتلك المُعلنة حديثا أو التي تجري صياغتها، من دون استشارة عامة، مصحوبة بإغلاق كامل للمساحة الضيقة أصلا للمجتمع المدني في السعودية. بذلك، تفرغ البلاد من أي جهة لمراقبة أداء الحكومة والإبلاغ عنه، أو ضمان أن الحكومة تفي بوعودها، أو دعم المزيد من التغييرات الضرورية.

لإثبات أن السعودية تنفذ الإصلاح فعلا، على الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إدخال إصلاحات جديدة لضمان تمتع المواطنين السعوديين بحقوق الإنسان الأساسية، بما فيها حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع، فضلا عن استقلال القضاء والامتثال للإجراءات القانونية الواجبة.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ السلطات قادرة على التعبير عن هذا الالتزام فورا، من خلال الإفراج عن أي شخص محتجز تعسفيا أو بتهم تستند فقط إلى أفكاره أو تعبيره السلميَيْن، وإسقاط جميع التهم الموجهة للمحتجزين والتي لا تشبه الجرائم المعترف بها، وتوفير العدالة عن انتهاكات مثل التعذيب، أو العقوبات التعسفية.

قال بَيْج: "لن تنجح إملاءات الإصلاح من قمة الهرم إلى أسفله في السعودية من دون استشارة الرأي العام، بحيث يمكن للناس مشاركة آرائهم من دون خوف من الاعتقال. يمكن للإصلاحات القادمة أن ترسّخ التمييز وتجريم الحريات الحاليَّين، ما لم يُفرَج عن الأشخاص الذين يمكنهم مساعدة الحكومة على النجاح والسماح للذين أُسْكِتوا بالجهر بآرائهم".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.