Skip to main content

رغم الأمل الضئيل بالتغيير عبر الانتخاب، المجتمع المدني الإيراني يناقش استراتيجيته

نُشر في: Friedrich Ebert Siftung
أعلام إيرانية في ساحة في طهران، 10 فبراير/شباط 2012. © 2012 رويترز

 

اعتبر النشطاء التصويت وسيلة ضغط لإحراز تقدم، لكن الكثيرين منهم يتساءلون اليوم عما إذا كانوا سيشاركون في الانتخابات المقبلة. المجتمع المدني الإيراني يبحث عن سُبُل بديلة للتغيير.

قبل عشرين يوما من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، صدم "مجلس صيانة الدستور"، الذي يدرس أهلية المرشحين، النخبة السياسية والجمهور باستبعاده شخصيتين بارزتين: علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق، و إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس الحالي، وهما اثنان فقط من بين العديدين الذين مُنعوا من الترشح. هذا الاستبعاد سيُعزز على الأرجح فرص تحقيق نصر انتخابي لإبراهيم رئيسي، المرشح الذي يرأس القضاء الإيراني، وعمل عام 1988 في لجنة من أربعة أشخاص أشرفت على عمليات الإعدام الجماعية لآلاف السجناء السياسيين.

النشطاء السياسيون الإيرانيون المتشككون، الذين حشدوا في بعض الأحيان للمشاركة في الانتخابات رغم معاقبتهم بسبب المعارضة السلمية، يجدون في ذلك دليلا على أن السلطات الحاكمة في إيران - بما فيها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي - ليس لديها أدنى رغبة في أي منافسة سياسية في هذه الانتخابات. قرار مجلس صيانة الدستور يضع الذين يعتبرون أن المشاركة في الانتخابات قد تُسهل الإصلاح السياسي في موقف صعب.

خلال السنوات العشرين الماضية، استبعد مجلس صيانة الدستور، غير المنتخب من الشعب الإيراني، عددا كبيرا من المرشحين حتى الذين لهم صلات بعيدة بالفصائل المعتدلة أو الإصلاحية، وكذلك المرشحين الذين من المرجح أن يشنوا حملات تنتقد قمع السلطات السياسي والاجتماعي. دفعت القرارات الأخيرة للمجلس المجتمع المدني والنشطاء السياسيين إلى الانتقال إلى تطبيق التواصل الاجتماعي "كلوب هاوس" للمناقشات المباشرة والذي يحظى بشعبية في إيران ولدى الشتات الإيراني، لمناقشة فعالية الترويج للتصويت في الانتخابات الرئاسية من أجل تحقيق تغيير سياسي.

نتائج مختلطة في الانتخابات الأخيرة

الانتخابات الرئاسية الإيرانية بطبيعتها ليست حرة أو نزيهة. تحظر المتطلبات الدستورية التمييزية على غير المسلمين الترشح، ويستخدم مجلس صيانة الدستور "الإشراف بالموافقة والرفض" المتوسع باستمرار لاستبعاد من يعتبرهم غير مخلصين بما يكفي لإيديولوجية "ولاية الفقيه" الحاكمة للجمهورية الإسلامية . لم ينطبق هذا الاستبعاد على المعارضين السياسيين للسلطات الحاكمة فحسب، بل على مسؤولين سابقين رفيعي المستوى بمن فيهم رؤساء، وحتى على علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد أكثر الشخصيات السياسية المؤثرة  في السنوات العشرين الأولى للجمهورية الإسلامية. لكن في الماضي، لم تكن نتيجة الانتخابات، على الأقل في معظم الحالات، محددة سلفا.

في الانتخابات الرئاسية عام 1997، وللمرة الأولى بعد العقد الأول للجمهورية الإسلامية، انتُخب مرشح على أساس برنامج يدعو إلى مزيد من الحريات السياسية. محمد خاتمي الذي فاز بالانتخابات، هزم علي أكبر ناطق نوري، المرشح الذي يُفترض أنه كان يحظى بدعم السلطات الحاكمة. شهد عهد خاتمي قدرا أكبر من الحريات السياسية والإعلامية، وتوسيع حيّز المجتمع المدني، وجهود متواضعة لمحاسبة الهيئات غير المنتخبة والأجهزة الأمنية المسيئة.

لكن عند انتهاء الولاية الثانية لخاتمي عام 2005، لم يتمكن مصطفى معين، وزير العلوم في عهده، والذي كان مدعوما من بعض الأحزاب الإصلاحية الرئيسية وترشح على وعد باحترام أكبر لحقوق الإنسان، من اقناع قاعدة الناخبين عندما ترشح للرئاسة. بدلا من معين، فاز محمود أحمدي نجاد، الذي ألغى عن العديد من المكاسب المتواضعة المتعلقة بحرية التعبير والتجمع.

منذ ذلك الحين، وبالاعتماد على الفرق بين عهدَي خاتمي وأحمدي نجاد، اعتبر النشطاء المشاركة النشطة في الانتخابات وسيلة للضغط من أجل التغيير، أو لمنع انتخاب أولئك الذين يدعون إلى فرض مزيد من القيود.

في 2009، ترشح مير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق، ومهدي كروبي، رئيس البرلمان السابق ضد أحمدي نجاد المدعوم من خامنئي، مما أدى إلى تعبئة شعبية عُرفت باسم "الحركة الخضراء". احتضن المرشحان مطالب المجتمع المدني بمزيد من الحرية السياسية والاجتماعية. أدت حملة القمع الدموية ضد الاحتجاجات على الانتخابات المتنازع عليها والتي أعلِن فيها فوز أحمدي نجاد، إلى اعتقال وسجن مئات النشطاء، والإقامة الجبرية للمرشحَين الذين أصبحا قادتهم. لا يزالان رهن الإقامة الجبرية اليوم.

عام 2013، ترشّح حسن روحاني بنجاح على أساس برنامج من ركيزتين: تخفيف العقوبات الدولية المتعلقة بالشأن النووي وإعادة فتح الفضاء السياسي. خلال حملته الانتخابية، انتقد القمع السياسي ووعد بالعمل على رفع الإقامة الجبرية. بين 2013 و 2016، سمح تراجع القمع القوي ضد الطلاب والمدافعين عن حقوق المرأة للمجتمع المدني بالبدء في إصلاح الضرر الذي حدث عام 2009، رغم أن الأجهزة الأمنية استمرت في استهداف مجموعة واسعة من النشطاء، بمن فيهم المواطنين ثنائيي الجنسية والأجانب.

في انتخابات 2017، دفع روحاني الأمور إلى أبعد من ذلك بتقديم نفسه كبديل عن منافسه إبراهيم رئيسي، ووصف الرؤية السياسية لرئيسي بأنها "لم تعرف سوى الإعدام والسجن على مدار 38 عاما". عبر رفع الرهانات الخطابية خلال الحملة الرئاسية، تمكّن من حشد دعم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، بمن فيهم قادة الحركة الخضراء قيد الإقامة الجبرية.

لكن بعد أربع سنوات، لم يعُد سجل روحاني في النهوض بالحقوق المدنية والسياسية أسوأ فحسب، بل أصبحت القوات التابعة لوزارة الداخلية متواطئة في انتهاكات حقوقية جسيمة، بما فيها قمع الاحتجاجات الواسعة.

في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، والتي ليس بإمكان الرئيس روحاني الترشح فيها مرة أخرى، لا يزال الإيرانيون يواجهون الواقع الاقتصادي المؤلم بعد إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وقمع المعارضة من قبل الأجهزة الأمنية ذات النفوذ المتعاظم وغير الخاضعة للمساءلة.

لن ينسى الناس قمع السلطات للمتظاهرين في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والذي كان الأكثر وحشية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، عندما أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين دون مساءلة، مما قتل المئات. نظرا إلى ذلك، يتساءل العديد من الذين شجعوا المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عما إذا كان انتخاب روحاني جعلهم أقرب إلى التغيير الحقيقي.

الدفع باتجاه طريق ثالث؟

النشطاء الإيرانيون داخل وخارج البلاد يسهرون طوال الليل، حتى أنهم يتركون عملهم للبقاء على كلوب هاوس، ويناقشون مرارا وتكرارا مسألة ما إذا كان التصويت لتسجيل المعارضة تكتيكا فعالا عندما تكون مجموعة المرشحين محدودة جدا ويكون أولئك الذين اجتازوا فحص الأهلية التعسفي الذي يجريه مجلس صيانة الدستور لا يمثلون مطالب شعبية للإصلاح السياسي والتعددية.

مصطفى تاج زاده، نائب وزارة الداخلية السابق والسجين السياسي السابق، أعلن عن ترشحه على أمل إحياء النقاش حول العنصر "الجمهوري" في النظام السياسي الإيراني بعد الثورة، رغم أنه من غير المحتمل أن يسمح مجلس صيانة الدستور له بالترشح. حاول أيضا العديد من أعضاء الأحزاب السياسية النسائية تشجيع ترشيح زهرة شجاعي، مستشارة شؤون المرأة في عهد الرئيس خاتمي، رغم أن مجلس صيانة الدستور لم يسمح أبدا لامرأة بالترشح وتجنب عمدا توضيح ما إذا كان بإمكان النساء الترشح للرئاسة.

قال بعض النشطاء إن " الكيل قد طفح" وإن السجل السيئ للجمهورية الإسلامية، خاصة بعد استبعاد أبرز المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين، ينبغي أن يكون كافيا لتبرير مقاطعة انتخابات غير عادلة. تناقش مجموعات أصغر ميزة أصوات الاحتجاج أو التصويت للمرشحين الأقل حظوة لدى النظام. في الوقت نفسه، هناك وجهة نظر أقل وضوحا ومتجذرة في المجتمع المدني الإيراني المحاصر والتي تعتبر أن على الناخبين رفض الفهم المزدوج بأنه يجب إما المشاركة في الانتخابات لتسهيل التغيير الديمقراطي أو السعي للإطاحة بنظام فشل في إصلاح نفسه.

سعيد مدني، عالم الاجتماع البارز الذي قضى بعض الوقت في السجن بعد حملة القمع في 2009، شارك في غرف مختلفة في كلوب هاوس قائلا إن القوى التي تسعى إلى الانتقال الديمقراطي تحتاج إلى التركيز على بناء حركة اجتماعية يدعمها المجتمع المدني. يقول نشطاء آخرون إن مثل هذه الاستراتيجيات لا ينبغي اعتبارها مجرد حملات سياسية، وإنما نظريات تغيير تسبق مواسم الانتخابات وتستمر إلى ما بعدها.

إذا كان هناك من دروس مكتسبة من الانتخابات السابقة، فما زال من الممكن أن نشهد مفاجآت على الساحة الانتخابية في الأسابيع الثلاثة المقبلة. لكن الإيرانيون يواجهون الآن انتخابات رئاسية هي الأقل من حيث الخيارات المتاحة فيها في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ويبحث المجتمع المدني عن سُبل بديلة للتغيير.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة